والقصيدة تعرب عن وجود البناء والقبّة البيضاء على القبر ، والزلف والتفاف الزائرين حوله في عصره ، ومع ذلك يدّعي بعض الوهابيين ، أنّ البناء على القبور لم يكن في خير القرون وأنّه من البدع المستحدثة.
ولأجل شيوع البناء على القبور في جميع الأقطار الإسلاميّة نجد أنّ الأمير محمد بن اسماعيل اليماني الذي توهّب مع كونه زيدياً يفترض على نفسه ويقول في كتابه : وهذا أمر عمّ البلاد وطبق الأرض شرقاً وغرباً بحيث لا بلدة من بلاد الإسلام إلّا فيها قبور ومشاهد ، ولا يسع عقل عاقل أنّ هذا منكر يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة ويسكت علماء الإسلام (١).
فلو كانت هذه سيرة المسلمين من خير القرون إلى عصرنا فلما ذا لا تكون حجّة؟ فلو كان التهديم أمراً واجباً فلما ذا ترك الخلفاء تلك الفريضة؟! فهل يصحّ لنا اتّهامهم بالتسامح في أمر الدين مع أنّ الصحابة والتابعين مرّوا على تلك الآثار ولم ينبسوا فيها ببنت شفة؟
وإذا لم يكن ذلك الإجماع حجّة ، فأيّ إجماع يكون حجّة شرعيّة؟
فهذه النصوص من المؤرّخين تدلّ بوضوح على جريان السيرة على بناء القباب والأبنية على قبور الأولياء من دون أن يخطر ببال أحد أنّه مقدمة للشرك ومفضٍ إليه ، فإذا لم يكن مثل هذا الإجماع حجّة فأيّ
__________________
(١) الأمير محمد بن اسماعيل اليماني (ت ١١٨٦ ه) تطهير الاعتقاد : ١٧ ، ثمّ إنّه حاول أن يُجيب عن هذا الاستنكار بما الإعراض عن ذكره أحسن.