على الطائع كتابا بخلع نفسه ، وأنّه سلّم الأمر إلى القادر [بالله] ، وشهد عليه الأكابر والأشراف. ونفّذ إلى القادر المكتوب ، وحثّه على القدوم.
وشغب الدّيلم والتّرك يطالبون برسم البيعة ، وبرزوا إلى ظاهر بغداد ، وتردّدت الرّسل منهم إلى بهاء الدولة ، ومنعوا من الخطبة للقادر ، ثم أرضوهم ، فسكنوا ، وأقيمت الخطبة للقادر في الخطبة (١) الآتية ، وهي ثالث رمضان ، وحوّل من دار الخلافة جميع ما فيها ، حتى الخشب السّاج والرّخام ، ثم أبيحت للخاصّة والعامّة ، فقلعت أبوابها وشبابيكها.
وجهّز مهذّب الدولة عليّ بن نصر القادر بالله من البطائح وحمل إليه من الآلات والفرش ما أمكنه ، وأعطاه طيّارا كان عمله لنفسه ، [وشيّعه] فلما وصل إلى واسط اجتمع الجند وطالبوه بالبيعة ، وجرت لهم خطوب ، انتهت إلى أن وعدهم بإجرائهم مجرى البغداديين ، فرضوا ، وسار. وكان مقامه بالبطيحة منذ يوم حصل فيها إلى أن خرج عنها سنتين وأحد عشر شهرا ، وقيل سنتين وأربعة أشهر ، عند أميرها مهذّب الدولة.
قال هلال بن المحسّن : وجدت الكتاب الّذي كتبه القادر بالله :
«من عبد الله أحمد الإمام القادر بالله أمير المؤمنين ، إلى بهاء الدولة وضياء الملّة أبي نصر [ابن] عضد الدولة ، مولى أمير المؤمنين ، نحمد إليك الله الّذي لا إله إلّا هو ، ونسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله ، أمّا بعد ، أطال الله بقاءك ، وأدام عزّك وتأييدك ، وأحسن إمتاع أمير المؤمنين بك ، فإنّ كتابي الوارد في صحبة الحسن بن محمد ، رعاه الله ، عرض على أمير المؤمنين تاليا لما تقدّمه ، وشافعا ما سبقه ، ومتضمّنا مثل ما حواه الكتاب قبله ، من إجماع المسلمين ، قبلك بمشهد منك ، على خلع العاصي المتلقّب بالطائع عن الإمامة ، ونزعه عن الخلافة ، لبوائقه المستمرّة ، وسوء نيّته المدخولة ، وإشهاده على نفسه بعجزه ، ونكوله وإبرائه الكافّة من بيعته ، وانشراح صدور الناس لبيعة أمير المؤمنين ، ووقف أمير المؤمنين على ذلك
__________________
(١) في الأصل «بهذا المآثر» والتصويب من (المنتظم ٧ / ١٥٩).