وحمل إلى القادر بعض الآلات المأخوذة من الطائع ، واستكتب [له] أبو الفضل محمد بن أحمد عارض الدّيلم ، وجعل استداره (١) عبد الواحد بن الحسين الشيرازي :
وفي شوّال عقد مجلس عظيم ، وحلف القادر وبهاء الدولة كلّ منهما لصاحبه بالوفاء ، وقلّده القادر ما وراء بابه ، ممّا تقام فيه الدّعوة.
وكان القادر أبيض ، حسن الجسم ، كثّ اللّحية ، طويلها ، يخضب.
وصفه الخطيب البغدادي (٢) بهذا ، وقال : كان من الدّيانة والسيادة وإدامة التهجّد ، وكثرة الصّدقات ، على صفة اشتهرت عنه ، وقد صنّف كتابا في الأصول ، ذكر فيه فضائل الصحابة وإكفار (٣) المعتزلة ، والقائلين بخلق القرآن.
وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني (٤) أنّ القادر كان يلبس زي العوامّ ، ويقصد الأماكن المعروفة بالخير والبركة ، كقبر معروف (٥) وغيره ، وطلب من ابن القزويني الزّاهد أن ينفذ له من طعامه الّذي يأكله ، فأنفذ إليه باذنجان مقلوّا بخلّ وباقلاء ودبس وخبز بيتيّ ، [وشدّه] في ميزر ، فأكل منه ، وفرّق الباقي ، وبعث إلى ابن القزويني مائتي دينار ، فقبلها. ثم بعد أيام طلب منه طعاما ، فأنفذ إليه طبقا جديدا ، وفيها زبادي فيها فراريج وفالوذج ، ودجاجة مشويّة وفالوذجة ، فتعجّب الخليفة ، وأرسل يكلّمه في ذلك ، فقال : ما تكلّفت ، لما وسّع عليّ وسّعت على نفسي ، فتعجّب من عقله ودينه. ولم
__________________
(١) استدار : كلمة مركّبة من «أستاذ» و «دار» وهي فارسية بمعنى معلّم وأستاذ الصناعة ورئيسها ، والمقصود هنا رئيس الدار العائدة للخليفة. (معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة ١٠).
(٢) تاريخ بغداد ٤ / ٣٧ ، ٣٨.
(٣) هكذا في الأصل ، وفي تاريخ بغداد. أما في (المنتظم ٧ / ١٦١) : «أفكار».
(٤) هو صاحب كتاب «تكملة تاريخ الطبري» والنصّ الّذي ينقله الحافظ الذهبي عنه في الجزء الّذي لم ينشر من كتابه ويعتبر مفقودا حتى الآن.
(٥) هو معروف الكرخي أبو محفوظ ، الصالح المشهور المتوفى سنة ٢٠٠ ه. ترجمته في :
طبقات الصوفية ٨٣. صفة الصفوة ٢ / ١٧٩ ، طبقات الحنابلة ١ / ٣٨١ ، تاريخ بغداد ١٣ / ١٩٩ ، حلية الأولياء ٨ / ٣٦٠ ، الرسالة القشيرية ١ / ٦٠ ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٣١ رقم ٧٢٩ ، العبر ١ / ٣٣٥ ، شذرات الذهب ١ / ٣٣٥.