ويرى منه انقباضا ، فكبر ذلك على أبي بكر فأحبّ لقاه واستخراج ما عنده والمعذرة إليه لمّا اجتمع الناس عليه وتقليدهم إيّاه أمر الامّة وقلّة رغبته في ذلك وزهده فيه ، أتاه في وقت غفلة وطلب منه الخلوة وقال له: والله يا أبا الحسن ما كان هذا الأمر مواطأة منّي ولا رغبة فيما وقعت فيه ولا حرصا عليه ولا ثقة بنفسي فيما يحتاج إليه الامّة ولا قوّة لي بمال ولا كثرة العشيرة ولا ابتزاز له دون غيري ، فمالك تضمر عليّ ما لم استحقّه منك ، وتظهر لي الكراهة فيما صرت إليه ، وتنظر إليّ بعين السّئامة منّي؟ قال : فقال له عليّ عليهالسلام : فما حملك عليه إذا لم ترغب فيه ولا حرصت عليه ولا وثقت بنفسك في القيام به وبما يحتاج منك فيه؟
فقال أبو بكر : حديث سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّ الله لا يجمع أمّتي على ضلال ، ولمّا رأيت اجتماعهم اتّبعت حديث النبيّ صلىاللهعليهوآله وأحلت أن يكون اجتماعهم على خلاف الهدى وأعطيتهم قود الإجابة ، ولو علمت أنّ أحدا يتخلّف لامتنعت ، قال : فقال عليهالسلام : أمّا ما ذكرت من حديث النبيّصلىاللهعليهوآله أنّ الله لا يجمع أمّتي على ضلال ، أفكنت من الامّة أو لم أكن؟ قال : بلى ، وكذلك العصابة الممتنعة عليك من سلمان وعمّار والمقداد وأبي ذرّ وابن عبادة ومن معه من الأنصار؟ قال : كلّ من الامّة فقال علي عليهالسلام : فكيف تحتجّ بحديث النبيّ صلىاللهعليهوآله وأمثال هؤلاء قد تخلّفوا عنك وليس للامّة فيهم طعن ولا صحبة الرسول ونصيحته منهم تقصير؟ قال : ما علمت بتخلّفهم إلّا من بعد إبرام هذا الأمر وخفت إن دفعت عنّي الأمر أن يتفاقم إلى أن يرجع الناس مرتدّين من الدين وكان ممارستكم إلى أن أجبتهم أهون مئونة على الدين وأبقى لهم. وفي نسخة بقي له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعوا كفّارا ، وعلمت أنّك لست بدوني في الابقاء عليهم وعلى أديانهم.
فقال عليّ عليهالسلام : أجل ولكن أخبرني عن هذا الذي يستحقّ هذا الأمر بما يستحقه؟
فقال أبو بكر : بالنصيحة والوفاء ورفع المداهنة والمحاباة وحسن السيرة وإظهار العدل والعلم بالكتاب والسنّة وفصل الخطاب ، مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها وانصاف المظلوم من الظالم القريب والبعيد ، ثم سكت فقال علي عليهالسلام : أنشدتك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو فيّ؟
قال : بل فيك يا أبا الحسن ، فقال : أنشدتك بالله أنا المجيب لرسول الله قبل ذكران المسلمين أم أنت؟
قال : بل أنت ، قال : أنشدك بالله أنا الأذان لأهل الموسم وجميع الأمة بسورة براءة أم أنت؟ قال : بل أنت ، قال : أنشدك بالله أنا وقيت رسول الله بنفسي يوم الغار أم أنت؟ قال : بل أنت ، قال: فأنشدك