الثالث : الشيخ أيضا في كتاب «المجالس» قال : أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل عن محمد بن جعفر الرّزاز أبي العباس القرشي قال : حدّثنا أيوب بن نوح بن دراج قال : حدّثنا محمد بن سعيد بن زائدة عن أبي الجارود زياد بن المنذر عن محمد بن عليّ وعن يزيد بن عليّ كليهما عن أبيهما عليّ ابن الحسين عن أبيه الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام قال : لما ثقل رسول الله صلىاللهعليهوآله في مرضه الذي قبض فيه ، كان رأسه في حجري والبيت مملوء من أصحابه من المهاجرين والأنصار ، والعباس بين يديه يذبّ عنه بطرف ردائه ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوآله يغمى عليه ساعة ويفيق أخرى ، ثمّ وجد خفة فأقبل على العباس فقال : يا عباس يا عمّ النبيّ أقبل وصيتي في أهلي وفي أزواجي واقض ديني وانجز عداتي وابرأ ذمّتي.
فقال العباس : يا نبي الله أنا شيخ ذو عيال كثير غير ذي مال ممدود وأنت أجود من السحاب الهاطل والريح المرسلة فلو صرفت ذلك عني إلى من هو أطوق له مني ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها ومن لا يقول مثل ما تقول ، يا عليّ هاكها خالصة لا يحاقك فيها أحد ، يا عليّ اقبل وصيتي وانجز مواعيدي وأدّ ديني ، يا عليّ اخلفني في أهلي وبلّغ عني من بعدي.
قال عليّ عليهالسلام : فلمّا نعى إليّ نفسه رجف فؤادي وألقي على لقوله البكاء ، فلم أقدر أن أجيبه بشيء ، ثمّ عاد لقوله فقال : يا عليّ أو تقبل وصيتي؟
قال : فقلت : وقد خنقتني العبرة ولم أكد أن أبيّن : نعم يا رسول الله.
فقال صلىاللهعليهوآله : يا بلال ائتني بسوادي ائتني بذي الفقار ودرعي ذات الفضول ائتني بمغفري ذي الجبين ، ورايتي العقاب ، ائتني بالعنزة والممشوق (١) فأتى بلال بذلك إلّا درعه كانت يومئذ مرتهنة ، ثمّ قال : ائتني بالمرتجز والغضباء واليعفور والدلول (٢) ، فأتى بهما فوقفهما في الباب ، ثمّ قال : ائتني بالأتحمية والسحاب ، فأتاه بهما فلم يزل يدعو بشيء شيء فافتقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب فطلبها فأتى بها والبيت غاصّ يومئذ بمن فيه من المهاجرين والأنصار ، ثمّ قال : يا عليّ قم فاقبض هذا ، ومدّ اصبعه وقال : في حياة مني وشهادة من في البيت لكيلا ينازعك أحد من بعدي ، فقمت وما أكاد أمشي على قدم حتّى استودعت ذلك جميعا منزلي ، فقال : يا عليّ أجلسني ، فأجلسته وأسندته إلى صدري ، قال عليّ عليهالسلام : فلقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله وإن رأسه ليثقل ضعفا وهو يقول : يسمع أقصى أهل البيت وأدناهم : إن أخي ووصيي ووزيري وخليفتي في أهلي
__________________
(١) العنزة : العكازة ، والممشوق من القضبان : الطويل الدقيق ، والمرتجز : الفرس.
(٢) اليعفور : حماره ، والدلول : بغلة شهباء كانت له عليهالسلام ، والا تحمية : ضرب من البرود.