أمرك وإلّا صلبتك حيّا فقلت : سلني يا أمير المؤمنين عمّا بدا لك فأنا والله أصدقك ولا أكذبك حاجتك، فو الله إن كان الكذب ينجيني فإنّ الصدق أنجى ، فقال لي : ويحك يا سليمان إنّي أجد منك رائحة الحنوط فخبرني بما حدثتك به نفسك؟ ولما فعلت ذلك؟ فقلت : أنا أخبرك يا أمير المؤمنين وأصدقك ، لما أتاني رسولك في بعض الليل فقال : أجب أمير المؤمنين فقمت وأنا متفكّر خائف وجل مرعوب فقلت بيني وبين نفسي : ما بعث إلى أمير المؤمنين في هذه الساعة وقد غارت النجوم ونامت العيون إلّا ليسألني عن فضائل عليّ بن أبي طالب ، فإن أنا أخبرته بالحقّ أمر بقتلي ويصلبني حيّا ، فصلّيت ركعتين وكتبت وصيّتي والرسل يزعجوني وتحنّطت ولبست كفني وودّعت أهلي وصبياني وأجبتك يا أمير المؤمنين سامعا مطيعا مؤيسا من الحياة خائفا راجيا أن يسعني عفوك قال : فلمّا سمع مقالتي علم أنّي صادق وكان متّكيا فاستوى جالسا ثمّ قال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، فلمّا سمعته قالها سكن قلبي وذهب عنّي بعض ما كنت أجد من رعبي وما كنت أخاف من سطوته علي ، فقال الثانية : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، أسألك بالله يا سليمان إلّا أخبرتني كم من حديث ترويه في فضائل عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآله وصهر النبيّ وزوج حبيبة النبيّ صلىاللهعليهوآله؟ قلت : يسيرا ، قال : كم؟
قلت : يسيرا يا أمير المؤمنين ، قال : ويحك كم تحفظ؟ قلت : عشرة آلاف حديث أو ألف حديث فلمّا قلت أو ألف حديث استقلّها فقال : ويحك يا سليمان بل هي عشرة آلاف كما قلت أوّلا ثمّ قال : وجثا أبو جعفر على ركبتيه وهو فرح مسرور وكان جالسا ثم قال : والله لأحدّثنّك يا سليمان بحديثين في فضائل عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فإن يكونا ممّا سمعت ووعيت فعرفني وإن يكونا ممّا لم تسمع فاسمع وافهم ، قلت : نعم يا أمير المؤمنين فأخبرني ، قال : نعم أنا أخبرك أنّي مكثت أيّاما وليالي هاربا من بني مروان ولا يسعني منهم دار ولا قرار ولا بلد وأدور في البلدان ، فكلّما دخلت بلدا خالطت أهل ذلك البلد بما يحبّون وأتقرّب إلى جميع الناس بفضائل عليّ بن أبي طالب وكانوا يطعمونني ويكسونني ويزودونني إذا خرجت من عندهم من بلد إلى بلد حتّى قدمت إلى بلاد الشام وعليّ كساء لي خلق ما يواريني غيره ، قال : فبينما أنا كذلك إذ سمعت الأذان فدخلت المسجد فإذا سجّادة ومتوضّأ فتوضّأت للصلاة ودخلت المسجد فركعت ركعتين فيه ، واقيمت الصلاة فصلّيت معهم الظهر والعصر وقلت في نفسي إذا أتى الليل طلبت من القوم عشاء أتعشّى به ليلتي تلك ، فلمّا سلم الشيخ من صلاة العصر جلس وهو شيخ كبير له وقار وسمت حسن ونعمة ظاهرة إذ أقبل صبيّان وهما أبيضان نبيلان وضيئان لهما جمال ونور ساطع أعينهما يتلألأن ، دخلا