من هناك ، بقيت تلك الجهة ، وتلك المكانات ، كما كانت ، وما بطلت وما عدمت. حتى إنهم لو بنوا دارا في ذلك الحيز ، صار يحكم كل عقل سليم ، بأن هذه الدار حصلت في الجهة التي كان ذلك الجبل ، حاصلا فيها. وذلك يدل على أن الحيز والجهة ، أمر مغاير للجسم ، الذي كان حاصلا فيه.
الثاني : إنه لما ثبت أن القبلة هي الكعبة ، فعند هذا قالت الفقهاء : لو انهدمت الكعبة ، ونقل من هناك [ما كان (١)] من الخشب والحجر والتراب بالكلية ، ولم يبق إلا الفضاء الصرف ، كانت القبلة ليست إلا ذلك الفضاء. ولو اعتقد معتقد بتجويز حصول الخلاء في داخل العالم ، لقال بأن القبلة هو ذلك القدر من الخلاء المعين ، ومن الفضاء المعين. ومن اعتقد أن الخلاء محال ، وأن الملاء واجب فإنه لا بد ، وأن يعتقد أن عند [خراب (٢)] ذلك البناء ، لا بد أن ينتقل إليه هواء ، حتى لا يحصل الخلاء. ثم إن القبلة ليست هي (٣) ذلك الهواء [لأن ذلك الهواء (٤)] قد ينتقل عن ذلك الحيز. ويتبدل بهواء آخر ، والقبلة ليست إلا تلك الجهة ، وإلا ذلك الحيز. وهذا يدل على أن العقول السليمة ، والفطرة الصحيحة ، شاهدة بأن الجهة والحيز ، أمر مغاير للأجسام المنتقلة المتحركة.
الوجه الثالث في بيان أن الأبعاد الممتدة التي هي الأحياز والجهات مغايرة لذوات الأجسام هو : أن المشار إليه بأنه هاهنا أو هناك ، أمر معلوم الثبوت بالضرورة ، وحصول الجسم هاهنا وهناك غير معلوم الثبوت بالضرورة ، لأنه ما لم يدل الدليل على امتناع الخلاء ، لم يجب حصول الجسم هاهنا وهناك ، وما كان معلوم الثبوت بالضرورة مغاير لما ليس معلوم الثبوت بالضرورة. وذلك يقتضي أن الأبعاد الممتدة التي هي الأحياز والجهات أمور مغايرة لأبعاد الأجسام [وامتداداتها (٥)].
__________________
(١) من (م).
(٢) من (م).
(٣) ليست إلا ذلك (م).
(٤) سقط (ط).
(٥) سقط (س).