الوجه الرابع : وهو أنه يمكننا أن نتصور جسما لا يماسه جسم ، ولا يحيط به جسم ، ولا يمكننا أن نتصور جسما لا يصدق عليه أنه هاهنا أو هناك. فوجب أن يكون المعنى المشار إليه بقولنا هاهنا وهناك : أمر مغاير لكون الجسم ممسوس جسم آخر ، أو كونه بحيث يحيط به جسم آخر.
الوجه الخامس : هو أنا نقول : بأن الماء في الكوز ، لا بمعنى كون الماء ساريا في جسم الكوز ، بل بمعنى كون الماء مماسا (١) بسطحه سطح الكوز. وصريح العقل حاكم بأن الماء حاصل في الفضاء المفترض بين طرفي الكوز بدليل : أن ذلك الفضاء باقي بعينه [واحد بشخصه (٢)] ثم تارة يحصل فيه الماء ، وأخرى يخرج منه الماء ، وينتقل إليه الهواء ، وثالثا يبقى الفضاء خاليا عن كل الأجسام عند من كانت الدلائل القطعية عنده على صحة القول بالخلاء ، وذلك يدل على أن ذلك الامتداد أمر مغاير لامتداد الأجسام الحاصلة في ذلك الفضاء (٣).
الوجه السادس : هو أن المشار إليه بقولنا هاهنا وهناك : لا يقبل الانتقال والحركة. فإنه من المستحيل في بديهة العقل أن ينتقل هاهنا إلى هناك ، وأن ينتقل هناك إلى هاهنا. أما الجسم الحاصل هاهنا والجسم الحاصل هناك ، فإنه قابل للانتقال. فلما كان المعنى المشار إليه بقولنا هاهنا وهناك : لا يقبل الانتقال البتة ، وكان الجسم الحاصل هاهنا [والجسم الحاصل (٤)] هناك ، قابلا للانتقال. علمنا : أن المشار إليه بقولنا هاهنا وهناك : مغاير للجسم الذي يقبل الانتقال.
فهذه تنبيهات دالة على أن العلم الضروري حاصل بأن هذه الأحياز والجهات والمحاذيات أبعاد ممتدة ، وأنها مغايرة لأبعاد الأجسام المتحركة المتنقلة
__________________
(١) مماسا لسطح الكوز (س).
(٢) سقط (س ، ط).
(٣) البعد (م ، ت).
(٤) سقط (س).