ولو عرضت هذه الوجوه على جميع العقلاء لقضت عقولهم السليمة بأن الأمر كما ذكرناه ، ولخصناه [والله أعلم (١)].
وأما الفريق الثاني وهم القائلون بأن العلم بوجود هذه الأبعاد علم استدلالي :
فقد احتجوا عليه من وجوه :
الحجة الأولى : لو لم يكن المكان عبارة عن البعد ، بل كان عبارة عن السطح ، لزم الحكم على الساكن حال كونه ساكنا بأنه متحرك ، ولزم الحكم على المتحرك حال كونه متحركا ، بأنه ساكن. ولما كان ذلك باطلا ، وجب أن يكون المكان : عبارة عن البعد القائم بنفسه ، لا عن السطح الحاوي.
أما بيان أنه يلزم الحكم على الساكن حال كونه ساكنا بأنه متحرك. فتقريره : أنا لو فرضنا طائرا واقفا في الهواء ، والهواء يجري عليه ، أو حجرا واقفا في الماء ، والماء يجري عليه. فههنا [لا شك (٢)] أن هذا الطير واقف في الهواء ، وهذا الحجر واقف في الماء ، مع أنه في كل آن ، ينتقل من مماسة سطح إلى سطح آخر. فلو كان المكان عبارة عن السطح الحاوي ، لكانت الحركة عبارة عن الانتقال من سطح إلى سطح آخر ، ولما حصل هذا الانتقال في هذه الصورة من سطح إلى سطح آخر ، لزم أن يكون هذا الجسم متحركا مع أنه ساكن في الحقيقة.؟؟؟ ما ذكرنا : أنه لو كان المكان عبارة عن السطح ، لزم الحكم على الجسم الساكن ، حال كونه ساكنا بأنه متحرك. ومعلوم أن ذلك باطل. فعلمنا : أن المكان لا يجوز أن يكون عبارة عن السطح. أما إذا قلنا : إن المكان عبارة عن البعد الخالي ، والفضاء الصرف ، لم يلزم ذلك. لأن ذلك الجسم لما كان واقفا في ذلك الفضاء ، وفي ذلك الخلاء ، لا جرم كان ساكنا لا متحركا. فإن قيل : إن عنيت بكون ذلك الطير ساكنا في الهواء ، وكون ذلك الحجر واقفا في الماء : أن مسامتته مع الأجسام الساكنة باقية. فالأمر كذلك.
__________________
(١) سقط (م).
(٢) من (س).