إلا أن السكون بهذا التفسير غير مشروط بكونه في نفسه ساكنا. ألا ترى أن الصندوق إذا وضع فيه جسم ، وفرضنا هوى ذلك الصندوق مع كل ما فيه ، فإن مسامتة تلك الأجسام الموضوعة في الصندوق مع جوانب ذلك الصندوق باقية غير متغيرة ، مع أن ذلك الصندوق، وكل ما فيه متحرك. فعلمنا : أن مسامتة ذلك الطير ، وذلك الحجر مع سائر الأجسام ، لا يمنع من كونه في نفسه متحركا. وإن عنيت بكونه ساكنا أنه بقي في ذلك الفضاء الذي هو حاصل فيه ومداخل له. فهذا الكلام إنما يتم بعد ثبوت القول بالفضاء ، فلو أثبتنا القول بالفضاء بهذه المقدمة لزم الدور وهو محال.
والجواب : أما أن الطير قد يقف في الهواء ، مع أن الهواء يمر عليه ، والحجر قد يقف في الماء مع أن الماء يجري عليه. فذلك معلوم بالضرورة ، والمنع من كونه ساكنا في هذه الحالة مكابرة في البديهيات.
وأما تفسير السكون ببقاء المسامتات فهو باطل. ويدل عليه وجوه :
الأول : إن الجسمين المتساويين في الثقل والحجم والشكل ، إذا ابتدا بالنزول من رأس الجبل في هواء صاف لا تفاوت فيه البتة ، فههنا يبقى سمت كل واحد منهما مع الآخر ، من أول هذه الحركة إلى آخرها. فههنا المسامتة باقية مع كون كل واحد منهما متحركا ، فعلمنا : أنه لا يمكن تفسير كون الجسم ساكنا ببقاء مسامتته مع غيره.
الثاني : إن الفلك الحاوي ، والفلك المحوي ، إذا كانا يتممان الدورة في مدة واحدة ، فهناك لا يتغير شيء من المسامتات الحاصلة بين الأجزاء المفترضة في كل واحد منهما ، مع كون كل واحد منهما متحركا في نفسه.
الثالث : إن الجسمين متى بقيا في ذاتيهما [على السكون. كان سكونهما في ذاتيهما(١)] علة لبقاء المسامتة الحاصلة بينهما ، وذلك لأن سكونه في ذاته أمر حاصل له في ذاته ، وأما مسامتته مع غيره فهي أمر يحصل له بالنسبة إلى غيره.
__________________
(١) سقط (م) ، (ت).