الحجة الثانية : إنه لو حصل الخلاء ، لكان كون الجسم ساكنا فيه : محالا. ولكان كونه متحركا فيه : محالا. ومتى كان الأمر كذلك ، امتنع كون الخلاء مكانا للجسم. إنما قلنا: إن الخلاء يمتنع كونه مكانا للجسم المتحرك وللجسم الساكن. وذلك لأن الخلاء إما أن يكون عدما محضا ، ونفيا صرفا ، على ما يقوله المتكلمون. أو يكون بعدا متشابه [الأجزاء والجوانب (١)] على ما هو قول القدماء من الحكماء. وعلى التقديرين فلا اختلاف بين أجزائه وأبعاضه البتة ، وإذا كان كذلك ، امتنع أن يسكن الجسم [في جزء من أجزائه (٢) و] جانب من جوانبه. [لأن الجسم لو بقي مستقرا فيه طالبا له لازما للبقاء فيه (٣)] مع كونه مساويا لسائر الجوانب والأطراف ، يلزم رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح ، وهو محال.
فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : إن الفاعل المختار يخصص ذلك الجسم بذلك الحيز المعين بقصده واختياره؟ فنقول : إن كان ذلك الحيز المعني موصوفا بأمر ، لأجله صار أولى بتخصيص ذلك الجسم به ، عاد الطلب في أن ذلك الحيز ، كيف اختص بذلك المرجح؟ وإن لم يوجد هذا المرجح ، كان رجحان القصد إلى تخصيص ذلك [الجسم به (٤)] دون سائر الجوانب ترجيحا للممكن من غير مرجح [وأيضا (٥)] فيمتنع أن يتحرك الجسم فيه. لأن الحركة عبارة عن ترك حيز ، وطلب حيز آخر. وذلك لا يتم إلا بأن يكون ذلك الحيز مخالفا لذلك الحيز ، في أمر من الأمور ، وإلا لكان تخصيص أحد [الجانبين بالهرب ، والآخر بالطلب ، رجحانا (٦)] للممكن من غير مرجح. وهو محال. فثبت : أن بتقدير حصول الخلاء يمتنع كون الجسم ساكنا فيه ، ويمتنع كونه متحركا
__________________
(١) من (ط ، س).
(٢) سقط (ط ، س).
(٣) لأن اختصاصي الجسم بالسكون فيه مع كونه ... الخ (م).
(٤) سقط (م ، ت).
(٥) من (س).
(٦) أحد الحيزين بتركه ، وتخصيص الحيز الآخر بطلبه ، ترجيحا للممكن ... الخ (ت ، م).