الخلل الذي بين عنق الأنبوبة وعنق القارورة ، بشيء يسد الخلل. فإن جذبنا هذه الأنبوبة بحيث لا يدخل الهواء الغريب في القارورة ، انكسرت القارورة إلى داخل ، وذلك لأجل امتناع الخلاء ، وإذا أدخلنا الأنبوبة في باطن القارورة إدخالا أكثر مما كان. انكسرت القارورة إلى خارج. وذلك لأن القارورة كانت مملوءة ، فإذا أدخلنا الأنبوبة فيها ، لم تحتملها ، فانشقت القارورة إلى الخارج.
الحجة الثامنة : لو كان الخلاء ممكنا ، لجاز في بعض القوارير والأواني أن تكون خالية ، فكان يجب إذا نكسناها وغمسناها في الماء ، واعتمدنا عليها ، أن يتصاعد الماء إليها من غير أن يخرج منها شيء من الهواء ، حتى لا تظهر البقابق والنفاخات ، ولما لم يكن الأمر كذلك ، علمنا أن الخلاء غير حاصل في داخل العالم [والله أعلم (١)].
والجواب عن الحجة الأولى : إنها بناء على أن الحيز ، والمكان يمتنع أن يكون عبارة عن أبعاد قائمة بأنفسها ، مستقلة بذواتها. إلا أن الكلام في هذا الباب قد سبق على الاستقصاء ، فلا فائدة في الإعادة.
والجواب عن الحجة الثانية : أن نقول : إن هذه الحجة مبنية على مقدمات :
فأولها : أنه لو حصل الخلاء ، لكان ذلك الخلاء غير متناه. ولقائل أن يقول : ألستم قلتم : إنه ليس خارج العالم لا خلاء ولا ملاء؟ فلم لا يجوز أن يقال أيضا : الخلاء الموجود مقدار متناه ، وهو المقدار الذي يحصل فيه جسم العالم ، وأما الخارج عنه فلا خلاء ولا ملاء؟ [وعلى هذا التقدير فإنه (٢)] لا يمكنكم أن تقولوا : لم حصل العالم في هذا الجز من الخلاء دون سائر الأجزاء؟ فإن قالوا : كل من أثبت الخلاء قال : إنه غير متناه. فنقول: فعلى هذا التقدير يخرج هذا الكلام عن أن يكون حجة برهانية. بل يصير قصاراه : أن يكون إلزاما على قول الخصم.
__________________
(١) سقط (م).
(٢) وعند هذا (م ، ت).