وجودها. وكل ما كان كذلك ، كان فرض عدمه محالا. فيثبت : أن فرض عدم هذا الفضاء (١)] وهذا الخلاء أمر لا يقبله العقل البتة ، فكان ذلك موجودا واجب الوجود لذاته.
الوجه الثاني في تقرير هذا القول : وهو أن العقل لا يستبعد زوال الجبال والبحار عن أحيازها ، ولا يستنكر أيضا عدمها وفناءها في أنفسها. فإما أن يقال : إن هذه الأحياز الخالية والفضاء الخالي يفنى ويبقى. وهذا أمر لا يتصوره العقل ، ولا يقبله الخاطر. فيثبت : أن الأمر كما ذكرناه. وأما أهل التحقيق من العلماء فإنهم قالوا : هذه الأبعاد ممكنة الوجود لذواتها ، وكل ما كان كذلك [فإنه من حيث إنه هو (٢)] يكون قابلا للعدم.
أما بيان أنها ممكنة الوجود لذواتها ، فلوجهين :
الأول : إنه ثبت بالبرهان أن واجب الوجود لذاته ، لا يكون إلا واحدا.
والثاني : أن هذا الخلاء منقسم ، وذلك لأنه يمكن أن يقال : الخلاء من هاهنا إلى هناك : ذراع ، ومن هاهنا إلى موضع آخر أبعد من الأول : ألف ذراع. فثبت : أن الخلاء قابل للقسمة والتجزئة. وكل منقسم : ممكن. على ما قررنا في الفصول السالفة. فيثبت : أن هذه الأبعاد ممكنة الوجود. ولا شك أن كل ممكن ، فإنه قال للعدم.
الفرع الثاني : القائلون بأن العالم محدث لا بد وأن يقروا بأن هذا الفضاء قبل حدوث العالم : كان فضاء متشابها. أعني أنه ما كان جانب منه فوقا ، وجانب آخر تحتا. لأن الفوقية والتحتية لا يعقل حصولهما إلا عند حصول جسم آخر. فإذا لم يوجد شيء من الأجسام البتة ، امتنع اختلاف أجزاء الفضاء بالفوقية والتحتية ، بل كان متشابه الأحوال بالكلية [والله أعلم (٣)].
__________________
(١) سقط (ط) ، (س).
(٢) سقط (ط).
(٣) سقط (م).