الفرع الثالث : اتفق القائلون بإثبات هذا الخلاء ، على أن حصول هذا الخلاء خارج العالم غير متناه.
وزعم «أرسطاطاليس» [وأصحابه (١)] أن ذلك محال. واحتج الأولون بأنه لو تناهى هذا الخلاء ، لما بقي في الخارج عنه امتياز طرف عن طرف ، وجانب عن جانب. وذلك محال. وحجة «أرسطاطاليس» : أن القول بوجود أبعاد غير متناهية : محال.
واعلم أن الكلام في تلك الدلائل سيأتي بالاستقصاء.
الفرع الرابع : ظهر من المباحث المذكورة في أمر المكان والحيز والجهة : أن إله العالم يمتنع أن يكون مختصا بشيء من الأمكنة. وتقريره من وجوه :
الأول : أنه لو وجب حصول الإله في حيز وجهة ، لكان وجود الإله مفتقرا إلى ذلك الحيز ، لكنا بينا أن الخلاء متشابه الأجزاء ، وحصول الحيز خاليا عن الجسم : معقول. فعلى هذا يكون ذات الإله محتاجا إلى ذلك الحيز ، وذلك الحيز يكون غنيا عنه وعن سائر الممكنات ، فيكون الإله ممكنا لذاته ، مفتقرا إلى غيره ، ويكون ذلك الحيز واجبا لذاته ، غنيا عن الغير. وكل ذلك : محال.
الثاني : أنه لو حصل في هذا الفضاء ، وفي هذا الخلاء ، لكان إما أن يقال : إنه حصل في جميع جوانب هذا الخلاء ، أو في جانب معين منه. والأول : محال. لأنه يقتضي كونه منقسما (٢) مركبا. وأيضا : فيلزم أن تكون ذاته مخالطة لجميع المحدثات [والممكنات (٣)] وهو باطل. والثاني محال. لأنا بينا أن هذا الخلاء متشابه الأجزاء ، وما كان في الأزل جانب منه موصوفا بالفوقية ، وجانب آخر [موصوفا (٤)] بالتحتية. وحينئذ يكون حصول ذاته في
__________________
(١) سقط (م).
(٢) منقسما متحركا منقضا وأيضا ... الخ (م ، ت).
(٣) سقط (ط).
(٤) سقط (م).