الحاصلة في الخلاء تجذب ذلك الجسم إلى نفسها فإذا وصل إليه ، فالقوة الجاذبة الموجودة في الخلاء [المتصل بالخلاء (١)] الأول تجذبه إلى نفسه. وهكذا إلى آخر المرتبة. وهذا القول : باطل. لأن الخلاء لو حصل فيه قوة جاذبة للجسم إلى نفسه ، لكان عند وصول الجسم إليه ، وجب أن يمسكه عند نفسه ، وأن لا يمكنه من أن يفارقه وينفصل عنه. وحيث لم يكن الأمر كذلك ، بطل هذا الكلام.
وليكن هاهنا آخر كلامنا في الزمان والمكان.
ولنختم هذا الفصل بتحميد لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب [رضوان الله عليه (٢)] قال : «لم يخل منه شيء فيدرك بأبنيته ، ولا له شبح مثال فيوصف بكيفيته ، ولم يغب عنه شيء فيعلم بحيثيته. مباين لجميع ما أحدث في الصفات ، وممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الذوات ، وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرف الحالات. محرم على نوازع ثاقبات الفطن تحديده ، وعلى غوامض ثاقبات الفكر تكييفه ، وعلى غوائص سانحات النظر تصويره. لا تحويه الأماكن لعظمته ، ولا تذرعه المقادير لجلالته. ممتنع على الأوهام أن تكتنهه وعلى الأفهام أن تستغرقه ، وعلى الأذهان أن تمثله. قد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول ، ونضبت عن الإشارة إليه بالاكتناه بحار العلوم ، ورجعت بالصغر عن السمو إلى وصف قدرته لطائف الفهوم. واحد لا من عدد ، دائم لا بأمد ، قائم لا بعمد. ليس بجنس فتعادله الأجناس ، ولا بشبح فتصارعه الأشباح. ولا كالأشياء ، فتقع عليه الصفات. قد ضلت العقول في أمواج تيار إدراكه ، وتحيرت الأوهام عن الإحاطة بذكر أزليته ، وحصرت الأوهام عن استشعار وصف قدرته ، وغرقت الأذهان في لجج أفلاك ملكوته ، مقتدر بالآلاء ، ممتنع بالكبرياء ، متملك على الأشياء. فلا دهر يخلقه ، ولا وصف يحيط به. قد خضعت له الرقاب الصعاب في محل تخوم
__________________
(١) سقط (ط).
(٢) سقط (م) وفي (ت) فقال عليهالسلام يا من لا يخلو ... الخ.