واعلم (١) أن القوم ما لخصوا هذه الطريقة تلخيصا شافيا مرتبا ، وأنا أقررها على الوجه الصحيح المعلوم ، فأقول : لا شك أن الأب موجود قبل وجود الابن ، فهذه القبلية إما أن تكون نفس وجود الأب وعدم الابن ، أو أمرا زائدا على ذلك. والأول باطل لوجوه :
أحدها : أنه يصح تعقل ذات [كل (٢) واحد منهما مع الذهول عن هذه القبلية ، وهذه البعدية وهذه المعية. والمعلوم مغاير لما هو غير معلوم.
وثانيها : إن هذه القبلية والبعدية : نسبة مخصوصة بين هاتين الذاتين. والنسبة بين الشيئين مغايرة لهما.
وثالثها : إن المحكوم عليه بأنه قبل (٣) قد وجد قبل المحكوم عليه بأنه بعد ، والقبل من حيث إنه قبل ، لا يبقى بعد البعد ، من حيث إنه بعد.
ورابعها : إن الأشياء المختلفة [في الماهية (٤)] قد تكون متشاركة في كون كل واحد منها قبل أشياء ، فإن والد الفرس قبل ولده ووالد الحمار قبل ولده ، ووالد الإنسان قبل ولده. فالفرس والحمار والإنسان ماهيات مختلفة ، وهي مع اختلافها متشاركة في كون كل واحد منها قبل ولده.
وإذا ثبت هذا فنقول : اختلافها في الماهية ، مع اشتراكها في المفهوم من القبلية ، يدل على أن كونها قبلا وبعدا [أمور (٥)] مغايرة لتلك الماهيات المخصوصة. وأيضا : فالأشياء المتشاركة في تمام الماهية قد تكون مختلفة في القبلية والبعدية ، وذلك مثل الأب والابن ، فإنهما مع اشتراكهما في تمام الماهية قد اختلفا بحسب القبلية والبعدية. والتقريب معلوم.
وخامسها : أن القبل من حيث هو قبل ، مضاف إلى البعد من حيث هو
__________________
(١) واعلم أنهم (ت ، م).
(٢) من (س).
(٣) قبل قد يبقى بعد المحكوم (ط) ، (س).
(٤) من (ط) ، (س).
(٥) سقط (م).