بعد ، والشيء المحكوم عليه بهذه القبلية جوهر قائم بنفسه غير معقول الماهية بالقياس إلى غيره ، والشيء الذي يكون محكوما عليه بأنه مقول بالماهية بالقياس إلى غيره ، مغاير للشيء الذي يكون محكوما عليه بأنه غير معقول الماهية بالقياس إلى غيره ، وذلك يقتضي أن تكون القبلية والبعدية أمورا مغايرة لتلك الذوات.
وسادسها : أن الإله تعالى كان موجودا قبل هذا الحادث اليومي ، ويكون أيضا موجودا عند دخول هذا الحادث اليومي في الوجود ، وسيبقى أيضا بعد انقضائه وفنائه. إذا ثبت هذا فنقول : ذات واجب الوجود لذاته قد تواردت عليها هذه القبليات والبعديات والمعيات. فلو كانت هذه المفهومات نفس الذات ، لزم وقوع التبدل في ذاته (١). وذلك محال.
فثبت بهذه الوجوه الستة : أن المفهوم من القبلية والبعدية والمعية أمور مغايرة لنفس الذات والحقيقة. وإذا ثبت هذا فنقول : هذا المفهوم الزائد إما أن يكون عدما محضا ، وإما أن يكون أمرا موجودا. والأول باطل لأن كونه قبل غيره نقيض لقولنا : إنه ليس قبله ، والمفهوم من عدم القبلية عدم محض ، ونقيض العدم ثبوت. فظهر أن القبلية والبعدية : أمران زائدان على الذات ، وهما وصفان ثابتان موجودان. وإذا ثبت هذا فنقول : إما أن تكون هذه المعاني من الأمور الثابتة التي لا حصول لها إلا في الذهن ، وإما أن يقال : إنها موجودة في الأعيان. والأول باطل ، لأن الذي لا ثبوت له إلا في الذهن يكون جاريا مجرى [قولنا (٢)] الخمسة زوج ، فإن هذا المعنى وإن كان يوجد في الفرض الذهني ، والاعتبار الفكري ، إلا أن العقل جازم بأنه لا وجود له في الخارج البتة ، لكن كون الأب قبل الابن ، ليس من هذا الباب. فثبت : أن هذه القبلية والمعية والبعدية مفهومات زائدة على الذوات ، ومعان موجودة في الأعيان ، كما أنها موجودة في الأذهان. ثم نقول : هذه القبليات والبعديات إما أن تكون من الأمور التي توجد مستقلة بأنفسها ، قائمة بذواتها ، غنية عن
__________________
(١) قديم (ت).
(٢) من (س).