التوقيت. فإن الرجل قد يقول لغيره : آتيك إذا طلعت الشمس ، وآتيك إذا جاء الربيع. وتحقيق هذا المعنى : إن مجيء الرجل مجهول ، وطلوع الشمس معلوم ، فيقرن هذا المجهول بذلك المعلوم ليصير ذلك المجهول بسبب هذا الاقتران معلوما ، ولهذا المعنى قال أهل التحقيق: «التوقيت عبارة عن قرن متجدد موهوم ، بمتجدد معلوم ، إزالة للإيهام».
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن البديهة الصحيحة ، والفطرة الأصلية حاكمة بصحة هذا التوقيت ، وعليه مدار الأمر في التواريخ المستقبلة ، فإنها عبارة عن تعريف وجود الأشياء التي تكون مجهولة الوقوع ، بالأوقات المعلومة المستقبلة. وكذا القول في التواريخ الماضية ، فإنها عبارة عن تعريف وقوع الأشياء (١) التي يكون وقوعها مجهولا بالأوقات المعلومة الماضية.
إذا عرفت هذا فلنبحث عن معنى قولهم : آتيك إذا طلعت الشمس. فإنه لا معنى (٢) لهذا الكلام إلا أن القائل يقول : آتيك في الوقت الذي تطلع فيه الشمس ، وهذا تصريح بإثبات وقت واحد بعينه يحصل فيه مجيء هذا القائل ، ويحصل فيه طلوع الشمس. فنقول : ذلك الوقت الذي حكمت الفطرة السليمة. بجعله ظرفا لهذا المجيء ، ولطلوع الشمس. إما أن يكون شيئا باقيا ثابتا ، أو شيئا سيالا منقضيا ، والأول باطل ، وإلا لكان حاصلا في الحال ، فوجب أن لا يكون منتظرا ولا مستقبلا. وبديهة العقل حاكمة بأن ذلك الوقت غير حاضر في الحال بل هو منتظر الوجود. فثبت أنه أمر سيّال. ثم ذلك السيال إما أن يكون [شيئا (٣)] من جنس حركات الأفلاك والكواكب ، أو صفة من صفاتها ، أو يكون موجودا مغايرا لهذين القسمين. والأول باطل ، لأن ذلك الوقت شيء حكمت الفطرة السليمة بكونه ظرفا للحركة الفلكية ، وظرف الحركة الفلكية لا يكون نفس الحركة الفلكية ، فإنه لما قال : آتيك إذا طلعت الشمس. فمعناه : آتيك في الوقت الذي يكون ظرفا لطلوع الشمس. وأما
__________________
(١) الأشياء المجهولة الوقوع (م ، ت).
(٢) لا نفهم (ط) ، (س).
(٣) سقط (س).