وأما قول قدماء (١) الحكماء ، وهو أنه جوهر قائم بنفسه ، مستقل بذاته ، فالمتأخرون أبطلوا ذلك بأن قالوا : الزمان شيء سيال (٢) متجدد الوجود. وما يكون كذلك ، فإنه يمتنع أن يكون جوهرا قائما بذاته ، مستقلا بنفسه.
هذا غاية الإلزام في إبطال هذا المذهب.
ولمجيب أن يجيب عنه فيقول : لا نسلم أنه في ذاته وماهيته سيال متبدل منقض. ولم لا يجوز [أن يقال (٣) :] إنه جوهر باقي أزلي أبدي إلا أنه إذا حدثت الحوادث ، صارت تلك الحوادث المتعاقبة مقارنة له ، وحينئذ يلزم من وقوع التغير والتبدل ، وقوع التغير والتبدل في نسب ذلك الجوهر إلى تلك الحوادث. والحاصل : أن السيلان (٤) والتبدل ما وقعا في ذات الزمان ، وفي جوهره. بل وقعا في نسبته إلى الحوادث المتعاقبة. ومما يدل عليه : أن ذات واجب الوجود لذاته ، تكون بالنسبة إلى كل شيء ، إما قبله أو معه أو بعده. ثم إنه بحسب تغير المتغيرات ، تتغير (٥) تلك النسب المسمّاة بالقبلية والمعية والبعدية في ذات واجب الوجود ، ولم يلزم من تبدل تلك النسب والإضافات ، وقوع التبدل والتغير في ذاته وفي صفاته الحقيقية فإنه واجب الوجود لذاته ، وواجب الوجود من جميع جهاته. فإذا عقل هذا المعنى في حق واجب الوجود ، فلم لا يعقل مثله في ذات الزمان وجوهره؟ فظهر أن هذه الحجة التي ذكرها المتأخرون في إبطال مذهب القدماء في ماهية الزمان : حجة ضعيفة ساقطة. بل عندي : أن هذا القول أقرب الأقوال المذكورة في ماهية الزمان وفي حقيقته. وهو مذهب الإمام أفلاطون.
وظهر بهذه المباحث الغامضة التي أوردناها ، والبينات الكاملة التامة التي
__________________
(١) القدماء إنه (س ، ط).
(٢) متتالي (م).
(٣) سقط (م).
(٤) التغير (م).
(٥) تتبدل (م).