قررناها : أن الحق في حقيقة المكان والزمان ما قاله أفلاطون الإلهي ، لا ما اختاره أرسطاطاليس المنطقي.
ولما تلخص هذا الكلام فنقول : القائلون بأن الزمان جوهر قائم بنفسه مستقل بذاته فريقان : منهم من قال : إنه وإن كان كذلك لكنه ممكن بذاته واجب بغيره ، للدلائل الدالة على أن واجب الوجود لذاته ليس إلا الواحد. ومنهم من قال : بل الزمان جوهر واجب الوجود لذاته ممتنع العدم لعينه. وهؤلاء احتجوا على صحة قولهم بوجوه :
الحجة الأولى : إنا إذا أردنا أن نعرف أن واجب الوجود لذاته ما هو؟ قلنا : إنه الذي يلزم من مجرد فرض عدمه محال ، سواء كان ذلك اللزوم مما يعرف ببديهة العقل ، أو بنظر العقل. لكن [من الظاهر أنه لو كان لزوم المحال عليه معلوما بالبديهة ، كان وجوب الاعتراف (١)] بكونه واجب الوجود لذاته أولى [لكن أولى (٢)] الأشياء بهذا المعنى هو الزمان ، لأنك لو فرضت له عدما ، لوجب أن يكون عدمه بعد وجوده ، وكون عدمه بعد وجوده ليس إلا بالزمان. فههنا لزم من مجرد فرض عدم الزمان ، فرض وجوده ، لزوما بديهيا أوليا. وإذا كان الأمر كذلك ، كان الأمر الذي هو أظهر خواص واجب الوجود لذاته ، وأقوى آثاره ، وأكمل لوازمه ، لم يحصل إلا في الزمان. فكيف يعقل أن يقال : إنه ليس واجب الوجود لذاته؟.
الحجة الثانية : إن العقل كلما حاول أن يحكم بارتفاع الزمان وبعدمه ، فإنه لا بد مع ذلك [وأن يحكم (٣)] بوجوده. لأنه إنما يرفعه إما قبل شيء ، أو مع شيء ، أو بعد شيء. فحصول تلك القبلية والمعية والبعدية شاهد على كذب من نفاه ، وعلى فساد دعوى من أبطله. ومناد بإثبات الزمان ، وناطق بكونه موجودا بريئا عن قبول العدم والزوال. وكل ذلك من خواص واجب
__________________
(١) من (م).
(٢) سقط (ط) ، (س).
(٣) سقط (ط).