بأسرهم إلى الجهاد ، فهلّا نفر من كلّ جماعة كثيرة طائفة لتحصيل التفقّه في الدين ، مع أنّه كالجهاد في الوجوب ، وهذا وإن كان مقتضاه وجوب النفر وإنذار النافرين المتخلّفين ، إلّا أنّه يستفاد منه أنّ تكليف أهل المدينة أن يتخلّف بعضهم عند النبيّ صلىاللهعليهوآله لأن يتفقهوا ، إذ ليس النفر مطلوبا لذاته ، فيكون المتخلّفون في المدينة بمنزلة النافرين في طلب العلم ، والله العالم.
قوله قدسسره : لكن لا تدلّ على وجوب العمل ... إلخ (١).
أقول : توضيح المطلب : إنّ المقصود من الآية ـ بحسب الظاهر ـ وجوب تعلّم الأحكام الواقعيّة ، وبعث المكلّفين على العمل بها ، أي العمل بما عملوه وفهموه من الأحكام ، ومن المعلوم أنّ هذا لا ينفع فيما نحن بصدده ، لأنّ المقصود إثبات حجّية خبره من حيث نقل قول المعصوم عليهالسلام ، لا وجوب العمل بما فهمه من الأحكام الشرعيّة ، وبينهما فرق بيّن.
هذا ، ولكن الإنصاف أنّه يستفاد بالدلالة التبعية أنّ العمل بقول الثقة من الامور المغروسة في الأذهان ، بحيث لا يعتني العقلاء باحتمال مخالفتها للواقع ، لأنّ هذه الآية بمنزلة قولك «تعلّموا أحكام الحيض ، وعلّموا نسوانكم كي يعملن على وفق تكاليفهنّ» ، وهذا الكلام ليس مسوقا لبيان حجّية قول الرجال للنسوان ، بل الكلام منزّل على ما هو المتعارف ، وهو أخذ النساء من رجالهنّ مسائلهنّ من دون التفات إلى احتمال كذب الرجال ، وكذا بناء العوام إنّما هو على أخذ المسائل ممّن يعتقدون أنّه يعلم المسائل ، ولا يعتنون باحتمال كذبه أصلا ، أو غفلته وخطأه ، فالآية بحسب الظاهر منزّلة على ذلك ، فيكون المراد بها وجوب تعلّم الأحكام وتعليمها ،
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٨٠ سطر ١٧ ، ١ / ٢٨٤.