العادية ، ليظهر الحقّ بهذه المعجزة ، ويهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيي من حيّ عن بيّنة ، فهي أجنبية عن المقام ، كيف ولو جاز الاستدلال بها للمقام ، لجاز الاستدلال بفقرتها الثانية ، لعدم جواز الارتكاب إلّا عن بيّنة وعلم ، فليتأمّل.
قوله قدسسره : ولكنّ الإنصاف أنّ غاية الأمر ... الخ (١).
أقول : بل الإنصاف عدم قصور الآية عن إثبات المدّعى ، لورود الآية تعريضا على من لم يعترف بنبوّته صلىاللهعليهوآله ووحيه صلىاللهعليهوآله أي اليهود ، حيث حرّموا على أنفسهم بعض ما رزقهم الله ، ومن المعلوم أنّ كون ما حرّموه معلوم الإباحة لدى النبي صلىاللهعليهوآله ، لا يجدي في مقام المحاجّة وإسكات اليهود ، وإنّما أورد عليهم بأنّ هذا الذي حرّمتموه على أنفسكم ممّا لا يعلم حرمته ، فالتزامكم بحرمته افتراء على الله ، والتعبير عن هذا المعنى بما عبّر مع أنّ اليهود يجحدون كونه صلىاللهعليهوآله ممّن يوحى إليه ، لعلّه للتنبيه على أنّ هذا هو طريقه الذي يعرف به الأحكام الإلهية ، وعدم تسليم الخصم له غير ضائر في الاحتجاج كما لا يخفى.
ويشهد لما ذكر الآيات المتقدّمة على هذه الآية ، كما انّه يتمّ بها بنفسها الاستدلال للمطلوب ، وهي قوله تعالى : (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* قُلْ لا أَجِدُ ...) الخ (٢) فانّ
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ١٩٤ سطر ٢٠ ، ٢ / ٢٦.
(٢) سورة الأنعام : آية ١٤٢ لغاية ١٤٥.