المتيقّن ممّا علمه بالإجمال ليس تحليلا لعلمه الإجمالي ، ألا ترى إنّه لو سألت من كانت هذه حالته عن مقدار ما تيقّن بفوته يجيبك بلا أدري ، ولا يعيّن لمعلومه الإجمالي طرفا ، ولا يجعل القدر المتيقّن حدّا لما أدركه بالإجمال!
وكيف كان ، ففي مثل هذه الموارد وجوب الاحتياط قويّ (١).
ومن هذا القبيل ما لو استقرض من شخص شيئا فشيئا في مدّة مديدة ، ثمّ ضاع دفتره ونسى حسابه بحيث لم يكن لمعلومه الإجمالي حدّ يعرف ، اشتغال ذمّته به مفصّلا.
والحاصل : إنّ الأخذ بالقدر المتيقّن لا يزيل العلم الإجمالي حتّى يرتفع أثره ، وإنّما يزول أثر العلم الإجمالي بالانحلال إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي ، كما في المثال السابق ، لا فيما هو مفروض كلام الأعلام ، وإلى هذا يؤول ما ذكره بعض المحقّقين في ذيل كلامه الآتي ، في الفرق بين الأمثلة الآتية بقوله «والحاصل ... الخ».
وامّا ما ذكره فارقا بينها في صدر كلامه فهو بظاهره ممّا لا يرجع إلى محصل ، كما لا يخفى على المتأمّل ، والله العالم.
قوله قدسسره : فتأمّل (٢).
أقول : إشارة إلى ضعف الاستدلال المذكور ، ولعلّ وجهه :
أولا : منع الأولوية ، حيث أنّ في الوجوب كلفة والزاما ، بخلاف المندوب فانّه مبني على التوسعة والترخيص ، فلا مانع عن إشارة إلى ما هو الأصلح بحاله ، وهو الاحتياط في مقام إحراز الواقع الذي لا ريب في رجحانه عقلا ونقلا ، فهذا لا يدلّ
__________________
(١) قوله : في مثل هذه الموارد وجوب الاحتياط أقوى.
أقول : ولكن خلافه أقوى ، إذ غاية ما يلزم من عدم الانحلال ، صيرورة متعلّق العلم مجملا مترددا بين الأقل والأكثر ، وستعرف أنّ الاقوى فيه ـ حتى في الارتباطي منه تفصيلا عن غير الارتباطي كما في المقام ـ عدم وجوب الاحتياط ، فليتأمّل. منه عفى عنه.
(٢) فرائد الأصول : ٢٣٥ سطر ٢٥ ، ٢ / ١٧٦.