وامّا صلاحيته وجها لعدم تعيين الوجوب ، فلأنّه بعد أن كان احتمال الحرمة مكافئا لاحتمال الوجوب ، وكونه أتمّ في الإفضاء إلى المقصود ـ على تقدير مصادفة الاحتمال للواقع ـ لا وجه لاهمال هذا الاحتمال ، ولزوم الالتزام باحتمال الوجوب الذي ليس أرجح في حدّ ذاته ، وعلى تقدير المصادفة أيضا ربّما لا يحصل الغرض ، فتدبّر فانّه لا يخلو عن دقّة.
قوله قدسسره : إلّا أن يقال إنّ احتمال أن يرد من الشارع ... الخ (١).
أقول : هذا الاحتمال لا يجدي في اندراج المسألة في موضوع مسألة الشّك في التعيين والتخيير ، لأنّ المفروض موضوعا لتلك المسألة ما إذا ثبت أصل التكليف ، وتردّد بين كونه تعينيا أو تخييريا ، وفي المقام لم يثبت تكليف ظاهري شرعي بالأخذ بأحد الاحتمالين عينا أو تخييرا ، كما هو المفروض ، بل هو احتمال بدوي مخالف للأصل ، والتكليف الثابت في المقام ليس إلّا الواقع المردّد بين المحذورين ، وقضيّة تردّده بين الفعل والترك ، وعدم مزية لأحد الاحتمالين في نظر المكلّف من حيث القوّة والأهمّية ، جواز اختيار كلّ منهما بحكم العقل ، ومجرّد احتمال إلزام الشارع بالأخذ بأحد الاحتمالين عينا ، كما أنّه لا يصلح أن يكون دليلا لتعيّنه كذلك ، لا يصلح أن يكون مانعا عن استقلال العقل بجواز اختيار الآخر ، بعد مكافئة احتماله احتمال كونه هو تكليفه الواقعي الذي علمه بالإجمال ، لاحتمال كونه هو هذا الذي احتمل تعبّد الشارع بالأخذ به ، فانّ مؤاخذة المكلّف على عدم التزامه بهذا ـ بعد عدم ثبوت التعبّد به ـ قبيح ، وقد تقدّم في نتيجة دليل الانسداد ، في ردّ من منع حكومة العقل بحجّية مطلق الظّن ، لزعمه دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، ما يتّضح به حال المقام ، فراجع.
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢٣٩ سطر ١١ ، ٢ / ١٨٩.