تأثير النهي المتعلّق بصرف الطبيعة من حيث هي ، وصيرورتها بالنسبة إلى هذا الفرد المقرون بالعذر حراما في حقّه بالفعل ، أي في مقام عمله ، وإلّا فهو في الواقع حرام عليه من قبل مولاه. ولكن الحرمة الواقعية غير كافية في لزوم الخروج عن عهدتها ، كي تتنجّز في حقّ المكلّف ، بل هي مقتضية لذلك ، وانّما تتنجّز في حقّه إذا أذعن بها عقله ، أي أدركه ولم ير عذرا في مخالفته ، فحينئذ يصير الحرام حراما فعليّا في حقّه ، غير جائز المخالفة ، فالأعذار العقلية موانع من تأثير الواقعيات ، من لزوم الخروج عن عهدتها.
فإن شئت قلت : إنّ عدمها شرط في تنجّزها وصيرورتها تكليفا فعليا.
وكيف كان ، فيجب على العبد مهما خالف سيّده ، أن يعتذر بعذر مقبول لدى العقل والعقلاء ، من نسيان أو جهل أو غفلة أو نحو ذلك ممّا يرفع قبح المخالفة ، ويقبح العقاب عليها.
ولا ريب أنّ الجهل بكون المأتي به مصداقا للمحرم عذر عقلائي ، امّا الجهل المجامع للغفلة أو اعتقاد الخلاف فواضح ، وامّا مع الترديد أيضا فكذلك ، إن لم يدلّ دليل عقلي أو نقلي على لزوم الاحتياط ، لما تقدّم مرارا من استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان ، ولا بيان في الفرض ، حيث أنّ كون الأفراد الواقعيّة مرادة بالنهي ، لا يصلح أن يكون بيانا للحكم فيما يحتمل كونه منها ، ولا دليل غيره يقتضي وجوب الاحتياط عدا قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، وقد عرفت غير مرّة أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان واردة على القاعدة المزبورة ، فيكشف ذلك عن أنّه لا قبح في المخالفة حينئذ ، وإلّا لاستحق اللوم والمؤاخذة عليها ، ففي المثالين المزبورين لو شرب العبد ما احتمل احتمالا بدويّا غير مقرون بعلم إجمالي كونه سكنجبينا ، أو أدخل من احتمل كونه زيدا يعذر في فعله ، وإن صادف الحرام الواقعي ، وامّا لو علم بأنّ أحد الإنائين سكنجبين فشربهما عن عمد واختيار ، أو علم بأنّ أحد الشخصين زيد