فأدخلهما في الدار ، لا يستقل العقل بقبح مؤاخذته ، إذ لا يتمشّى حينئذ قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، إذ المفروض علمه بحرمة شرب السكنجبين ، أو إدخال زيد الصادر منه اختيارا ، فليس في المقام ما يصلح أن يكون عذرا له ، إلّا جهله حين ارتكاب كلّ من المشتبهين ، بأنّه بالخصوص هو الذي تعلّق الغرض بتركه ، ولا يستقلّ العقل بأنّ هذا الجهل صالح لأن يعتذر به في المخالفة ، بل إمّا مستقل بعدم صلاحيته لذلك ، وأنّ إدخال زيد المردّد بين شخصين ، الحاصل بإدخال كلّ منهما ، ليس إلّا كإدخاله حال كونه معروفا بشخصه ، في كونه مخالفة عمدية موجبة لاستحقاق المذمّة والعقوبة ، أو متوقّف في ذلك.
وعلى الثاني أيضا يستقلّ بلزوم تركه ، بترك إدخال كلّ من الشخصين دفعا للعقوبة المحتملة ، ولكن على هذا التقدير لو صدر من المولى الرّخصة في إدخال كلّ من يحتمل كونه زيدا ، ما لم يعرفه بشخصه ، لا يكون منافيا للحكم العقلي ، بل يكون واردا عليه ، وامّا على التقدير الأوّل ، أي استقلال العقل بقبح المخالفة العمديّة الإجماليّة ، وكونها كالمخالفة العمديّة التفصيليّة ، معصية للمولى ، فلا يجوز أن يصدر من المولى الرخصة في ارتكاب كلّ من المشتبهين ، إلّا إذا رفع اليد عن حكمه الواقعي في صورة الاشتباه ، وخصّصه بما لو كان موضوعه معلوما بالتفصيل ، لا لمجرّد كونه إذنا في المعصية التي استقل العقل بقبحها ، بل لأنّ اذنه بشرب كلّ من الإناءين الذين يعلم بأنّ أحدهما سكنجبين مثلا يناقض المنع عن شرب السكنجبين المردّد بينهما على سبيل الحتم واللزوم ، فلا يعقل أن يتعلّق طلب حقيقي حتمي بترك شرب السكنجبين المردّد بين الإناءين مع الرضا بشرب كلّ منهما ، إلّا على تقدير اختلافهما في المرتبة ، بأن لم يكن النهي المتعلّق بشرب السكنجبين منجزا في حقّه ، بأن كان معذورا في مخالفته ، كما في المشكوك بالشكوك البدويّة ، فحينئذ يجوز أن يكون تكليفه في مقام العمل مخالفا لما هو حكمه في الواقع ، كما عرفته عند التكلّم في توجيه