نصب الطرق ، وفيما علّقناه على أوائل المبحث.
وامّا على تقدير عدم معذوريته في المخالفة ـ كما هو مفروض ـ وجب عليه في مقام العمل الخروج عن عهدة ما هو تكليفه في الواقع ، فيمتنع حينئذ أن يتعلّق بفعله حكم يناقضه أو ينافيه ، كما نبّه على ذلك كلّه المصنّف رحمهالله بقوله «الحكم الظاهري لا يقدح ... الخ».
ثمّ إنّ ما ذكرناه على سبيل الترديد من أنّ العقل إمّا مستقل بجواز المؤاخذة ، أو متوقّف فيه ، فانّما هو من باب المماشاة مع الخصم ، وإلّا فلا ترديد في ذلك أصلا ، بل من ضروريات العقل أنّه متى نهاه مولاه عن شيء ، ولم يعتبر العلم التفصيلي بذلك الشيء قيدا في الموضوع ، بل أراد تركه مطلقا ، وجب عليه ترك ما علم أنّه من أفراده ، ولو على سبيل الإجمال ، وهكذا الكلام في التكاليف الشرعية حرفا بحرف ، حتّى في ظواهر ألفاظه ، فكما أنّ المتبادر من قول المولى لعبده «لا تشرب السكنجبين» إرادة النهي الحقيقي الحتمي ، الذي قصد به البعث على الكفّ عن الطبيعة المنهيّ عنها مطلقا حين الابتلاء بها ، فكذلك المتبادر من نهي الشارع عن شرب الخمر أو نحوه ، ليس إلّا ذلك ، فمتى علم المكلّف بأنّ الشارع نهاه عن التصرّف في مال الغير من غير رضاه ، ووجد في صندوق صرّتي دراهم ، وعلم إجمالا بأنّ إحداهما له والاخرى أمانة عنده ، ولا يرضى صاحبها بأن يتصرّف فيها ، لا يجوز له بضرورة العقل صرف كلتيهما ، لا دفعة ولا تدريجا ، ولا يعقل أن يرخّصه الشارع في ذلك بعد نهيه عن التصرّف في مال الغير مطلقا ، إلّا أن يقيّد الحرمة بما إذا كان مال الغير معلوما لديه بالتفصيل ، وهو خلاف الفرض.
نعم يعقل أن ينصب الشارع طريقا ظنّيا ، أو قاعدة تعبّدية ، من قرعة ونحوها ، لتشخيص ماله إذا اقتضت المصلحة لذلك ، على حسب ما عرفته في مسألة نصب الطريق ، كما أنّه يعقل أن يقنع الشارع بالموافقة الاحتمالية ، إذا كانت في تحصيل القطع