الرخصة في ارتكاب بعض الأطراف ، والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية ، إذ لا معنى للموافقة الاحتمالية في الفرض ، لأنّ التردّد إنّما هو في نفس الحكم المعلوم بالإجمال ، وامّا ما يحصل به مخالفته على كلّ من التقديرين ، فهو معلوم بالتفصيل ، وهذا بخلاف ما لو كان الخطاب معلوما بالتفصيل وتردّد متعلّقه بين أمرين ، بأن علم مثلا أنّ أحد الإنائين خمر ، فعند تركه لكلّ من الإنائين يحتمل خروجه عن عهدة ذلك الخطاب.
نعم ، في صورة العلم الإجمالي بالخطاب المردّد أيضا قد يعقل التفكيك ، كما إذا علم إجمالا بوجود خمر أو مغصوب في الإنائين ، من غير أن يكون احتمال الخمرية قائما بطرف بالخصوص ، والغصبية في طرف آخر ، بل احتمل في كلّ منهما كونه خمرا أو مغصوبا ، وعلم إجمالا بوجود أحد العنوانين فيما بين الأطراف ، فعند تركه لكلّ من الأطراف في هذا الفرض ، يحتمل خروجه عن عهدة ذلك التكليف المردّد ، ولكن غرض المصنّف رحمهالله بعدم جواز التفكيك بحسب الظاهر إنّما هو فيما إذا كان كلّ من الاحتمالين قائما بطرف بالخصوص ، فليتأمّل.
قوله قدسسره : وامّا حكمهم بوجوب دفع الضرر المظنون ... الخ (١).
أقول : ربّما يظهر من بعض كلماتهم أنّ مظنون الضرر كمقطوعه ، في حدّ ذاته موضوع للحرمة ، فالظنّ بالضرر أخذ موضوعا للحرمة ، فعلى هذا ينحسم مادة النقض من أصله ، وامّا بناء على كونه طريقا محضا ، فالحكم باستحقاق العقاب على مخالفته ـ على تقدير عدم المصادفة ـ مبنيّ على القول بترتّب العقاب على مخالفة الأحكام الظاهرية من حيث هي ، كما هو أحد الأقوال في المسألة ، بل لعلّه أشهرها ، ولكنّه ليس بمرضيّ لدى المصنّف رحمهالله ، كما يصرّح به في آخر المبحث ، فكان غرضه في
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢٤٩ سطر ٢٥ ، ٢ / ٢٣٠.