واحد غير معيّن ، حيث أنّ الاضطرار لم يتعلّق بنفس الحرام ـ ولو على سبيل الاحتمال ، كما في الفرض السابق ـ بل تعلّق بما هو أعمّ من الحرام ، بحيث لو علم بالحرام تفصيلا لوجب عليه الاجتناب عنه ، واختيار الطرف الآخر ، وهذا دليل على أنّ ذلك الحرام المعلوم بالإجمال متّصف بالفعل بصفة الحرمة ، يجب التجنّب عنه مع الإمكان ، فانّ المعيار في تشخيص كون العلم الإجمالي منجز للتكليف وعدمه ، هو كون كلّ واحد من أطراف الشبهة على وجه لو علم المكلّف تفصيلا ـ بكون ذلك الحرام المعلوم بالإجمال ـ لتنجّز في حقّه التكليف بالاجتناب عنه ، ومقتضى كونه حراما بالفعل وجوب التجنّب عنه بترك جميع محتملاته ، وحيث تعذّر ترك الجميع ، حكم العقل بمعذوريّته في ترك البعض الذي اضطرّ إليه ، أي في المخالفة الاحتمالية الحاصلة بفعل هذا البعض لا مطلقا.
وبعبارة اخرى : توجيه الخطاب بالاجتناب عن ذلك الحرام المردّد بين الأطراف في الفرض الأوّل غير محرز ، وفي الثاني محرز ، وهو مقتضى لوجوب الاجتناب ، وما يصلح للمانعية عن تنجّزه ليس إلّا الاضطرار ، وهو لا يصلح للمانعية عن نفس الحرمة ولا عن تنجّزها رأسا ، وإنّما يمنع عن المؤاخذة على ارتكاب المحرّم ـ على تقدير تحقّقه ـ بفعل ما اضطرّ إليه لا غير ، فاحتمال مصادفة الحرام في سائر المحتملات التي لم يضطرّ إلى فعلها سبب تام لوجوب التجنّب عنها عقلا ، كما أنّه كذلك فيما إذا حصل الاضطرار بعد حصول العلم الإجمالي ، وإن تعلّق ببعض معيّن ، فإنّ الاضطرار الحاصل فيما بعد ليس إلّا كإراقة بعض أطراف الشبهة ، أو اتلافه أو خروجه عن مورد ابتلاء المكلّف ، ومن الواضح أنّ هذا لا يجدي في جواز ارتكاب سائر الأطراف التي وجبت التجنّب عنها ، لاحتمال مصادفتها للحرام الذي ينجّز التكليف بالاجتناب عنه بواسطة العلم.
فتلخّص ممّا ذكر : إنّه متى اضطرّ إلى واحد معيّن قبل العلم الإجمالي أو معه ،