بابتلائه بكلّ من الطرفين في زمانه ، ليس النهي عن اجتنابه مستهجنا ، بل هو نهي حقيقي يراد به الامتثال وترك الفعل في زمانه ، بحيث لو توقّف على مقدّمة متقدّمة وجب عليه تحصيلها ، ولكن في مسألة الحائض لا يجب الاحتياط ، لأجل الطرق المنصوبة لها شرعا في تشخيص أيّام حيضها ، مثل الرجوع إلى التميز وغيره ممّا ذكر في محلّه ، فتخرج بسببها عن موضوع مسألتنا حكما لا حقيقة.
وامّا مسألة التاجر ، فيجب عليه الإمساك عن المعاملات التي لا يعلم حكمها ، إذا احتمل ابتلائه بمعاملة ربوية ، وإن لم يكن له علم إجمالي أصلا ـ لأنّ الجاهل بالأحكام الشرعية ، إذا تمكّن من الفحص والتعلّم غير معذور اتفاقا ـ فيجب عليه امّا الاحتياط ، أو التعلّم دفعا للعقاب المحتمل ، وليس الجهل بالنسبة إليه عذرا عقليّا أو شرعيّا ، كما سيجيء تحقيقه عند تعرّض المصنّف رحمهالله لبيان حكم العامل بالبراءة قبل الفحص ، فهذا المثال خارج عمّا نحن فيه.
نعم ، لو عرف أحكامه ، وعلم إجمالا بأنّه يبتلى بمعاملة ربويّة في يومه أو شهره خطأ ، على وجه لا يلحق بغير المحصور ، لا يبعد أن يكون مثالا لما نحن فيه ، فتأمّل.
قوله قدسسره : ولكن الأظهر هنا وجوب الاحتياط ، وكذا في المثال الثاني من المثالين المتقدّمين (١).
أقول : ولعلّ نظره في إيجابه للاحتياط في المثال الثاني إلى ما أشرنا إليه ، من أنّه مورد للاحتياط مطلقا ، وإن لم يكن مقرونا بعلم إجمالي ، وفي المثال الثالث إلى أنّ المكلّف به في الحقيقة هو الوفاء بالنذر أو الحلف ، وهو تكليف وجوبي سواء كان متعلّقه فعل شيء أو تركه ، فعند اشتباهه في أمور محصورة يندرج في موضوع المسألة
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢٥٦ سطر ٢ ، ٢ / ٢٤٩.