ثمّ إنّا لو سلّمنا أنّ الأقوى في المسألة التخيير ، وجب الالتزام به في مواقع دوران الأمر بين القصر والإتمام ، فانّه لدى التحليل من جزئيات هذه المسألة ، فانّ الركعتين الأخيرتين الواقعتين بين التشهّد الأوّل والتسليم ، إمّا جزء من صلاته ـ على تقدير كون تكليفه الإتمام ـ أو زيادة مبطلة ، أي عدمه شرط فيها ـ على تقدير كونه القصر ـ ولا ينافي هذا الالتزام بأنّ القصر والإتمام من قبيل المتباينين لا الأقلّ والأكثر بل يؤكّده ، حيث أنّ وجود الركعتين الأخيرتين من مقوّمات ماهية الإتمام ، وعدمهما اعتبر قيدا في ماهية القصر ، فهما ماهيّتان بالذات.
وإن شئت قلت : إنّ القصر عبارة عن الركعتين الأوليين بشرط عدم الزيادة ، والإتمام عبارة عنهما بشرط انضمام الأخيرتين إليهما ، فليتأمّل.
قوله قدسسره : ومنشأ ذلك ... الخ (١).
أقول : فيما ذكره منشأ لوجوب إتيان أحدهما وترك الآخر مخيّرا تأمّل ، إذ لو تمّ لجرى فيما إذا كان أحد التكليفين أهم من الآخر ، كما لو اشتبهت المرأة الواجب وطيها بالحلف ومضيّ أربعة أشهر بالأجنبية ، مع أنّه لا يجوز الوطء قطعا ، لا لأصالة عدم الزوجيّة في كلّ منهما ، لأنّ العلم الإجمالي مانع عن إجراء الأصلين ، مع أنّ لنا أن نفرض الأجنبية مسبوقة بالزوجية ، ولا شبهة في هذه الصورة أيضا في عدم جواز وطء واحدة منهما كما ستعرف وجهه.
فالتحقيق : إنّه لا أثر لمثل هذا العلم الإجمالي في تنجيز التكليف بالواقع ، إذ لا طريق للمكلّف إلى الامتثال ، فالتكليف به تكليف بما لا يطاق ، واحتمال مصادفة الواقع في صورة ارتكاب أحدها وترك الآخر ليس منشأ لالتزام العقل بلزوم
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢٩٨ سطر ٧ ، ٢ / ٤٠٣.