مراعاته ، بعد مكافئة هذا الاحتمال احتمال مخالفة الواقع في كلا الأمرين ، كما لا يخفى ذلك على من تأمّل في نظائر المقام من العرفيات ، فالأقوى هو التخيير في كلّ منهما ، بل في كلّ جزء من كلّ منهما لو كانا تدريجيين ، لأنّ كلّ واحد من الفعلين ، بل كلّ جزء من كلّ منهما بنظر العقل موضوع مستقلّ ، لأنّ المكلّف حال اشتغاله بأحد الفعلين يحتمل في كلّ آن من آنات اشتغاله حرمته ، فله رفع اليد عن الفعل والأخذ باحتمال الحرمة بالنسبة إلى سائر أجزاء هذا الفعل ، فضلا عن الفعل الآخر المتروك ، فانّه موضوع مستقل دائر أمره بين الوجوب والحرمة ، وحكمه التخيير على تقدير تكافؤ الاحتمالين ، وعدم كون أحدهما أهمّ ، كما أنّه لو ترجّح بنظره في هذا الآن أحد الاحتمالين ، أو تبيّن له أهمّيته بالمراعاة ، يتعيّن عليه الأخذ به ، ولا يلتفت إلى حصول المخالفة القطعية على تقدير مخالفته لما ارتكبه قبل هذا الحين من الفعل أو الترك.
وما ذكرناه هو الوجه فيما اخترناه في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة من التخيير الاستمراري ، بل الأمر فيما نحن فيه أيضا يئول إلى دوران الأمر بين الوجوب والحرمة في كلّ من المحتملين ، كما أنّه يمكن إرجاع الأمر فيما لو دار الأمر بين الوجوب والحرمة إذا كان الفعل تدريجيا أو كلّيا إلى هذه المسألة ، مثلا لو علم إجمالا إمّا بوجوب الجلوس في المسجد من الصبح إلى الغروب أو حرمته ، فكلّ آن من آنات الفعل يدور أمره بين المحذورين ، فلنا أن نقول إنّ الجلوس قبل الظهر وعدم الجلوس بعد الظهر أحدهما واجب والآخر حرام قطعا واشتبها ، مع أنّ المختار في تلك المسألة تبعا لشيخنا المصنّف رحمهالله التخيير الاستمراري ، فكذا فيما نحن فيه.
والحاصل : إنّ المسألتين من واد واحد ، فإن قلنا في تلك المسألة بالتخيير الاستمراري ، حتّى مع العزم عليه من أوّل الأمر ، فكذا فيما نحن فيه.
وإن قلنا به لا مع العزم عليه من أوّل الأمر ، ففي المقام أيضا كذلك.
وان قلنا هناك بأنّه لا يجوز العدول عمّا اختاره أوّلا من حيث استلزامه القطع