نعم ، لنا علم إجمالي آخر حصل بقضاء العقل والنقل ، من أنّ الله تعالى لم يخلق الناس مهملين ، بل كلّفهم بتكاليف يجب عليهم امتثالها ، إلّا أنّ وجوب الفحص عن الأدلّة ليس من أثر هذا العلم ، لأنّ المعلوم بالإجمال بهذا العلم ليس بأكثر من الضرورات التي يعرفه العوام ، فليتأمّل.
قوله قدسسره : لكنّه قد أسلفنا الكلام في صغرى وكبرى هذا الدليل (١).
أقول : وكأنّه أشار بهذا إلى ما أسلفه من المناقشات التي أوردها على الاستدلال بهذا الدليل ، لوجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية الحكمية والموضوعيّة ، وعمدة ما يتوجّه عليه في هذا المقام هو الخدشة في كبراه ، فانّ حكم العقل بحرمة الإقدام على ما يعلم ضرره ، إنّما هو بملاحظة نفس الضرر من حيث هو ، فالعلم المأخوذ في موضوع حكمه بوجوب الاجتناب عمّا يعلم ضرره طريقي محض ، لا يترتّب على مخالفته عند تخلّفه عن الواقع ، وكونه جهلا مركّبا إلّا التجرّي ، الذي تقدّم الكلام في حرمته في صدر الكتاب ، فحكمه بوجوب الاجتناب عمّا لا يأمن من ضرره ـ أيضا على تقدير تسليمه ، كما هو الحقّ بالنسبة إلى المضارّ الأخروية التي لا يعقل أن يتداركها شيء على تقدير ترتّبها ـ ليس إلّا من باب الاحتياط والتوقّي عن نفس ذلك الضرر المحتمل ، وعند عدم المصادفة لا مقتضى لقبح فعله ، إلّا من حيث التجرّي الذي لا دليل على حرمته.
ولكنّك عرفت في صدر الكتاب إنّا وإن لم نقل بحرمة التجرّي شرعا ، ولكن نفينا البعد عن كونه بنظر العقل والعقلاء بحكم المعصية ، في كونه موجبا لاستحقاق العقاب ، ومؤثرا في قبح متعلّقه ، فراجع.
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٣٠٢ سطر ١ ، ٢ / ٤١٧.