الحكمية بالأدلّة المتقدّمة كما هو واضح.
وامّا الدليل العقلي فيشكل التعويل عليه بعد أن اعترف ـ عند تعداد الأدلّة لوجوب الفحص في الشبهة الحكمية ـ بأنّ العقل لا يعذر الجاهل المتمكّن من الاستعلام ، إذ لا نعقل فرقا بين الشّبهة الحكمية والموضوعيّة في ذلك ، بل الظاهر أنّ الأمر في الشّبهات الحكمية من هذه الجهة أهون ، حيث أنّ بيانها وظيفة الشارع ، فالجهل عذر بنظر العقل ما لم يصل إليه البيان ، وامّا بعد بيان ما هو وظيفته ، فيشكل ترخيص العقل بجواز الرجوع إلى البراءة من أوّل الأمر قبل الفحص في المشتبهات ، بل الظاهر إلزامه بالفحص ، كما لو أمر المولى عبده بإعطاء كلّ من أهل داره أو جيرانه درهما.
وامّا ما تراه من بناء العقلاء على عدم الفحص لو أمره بإطعام كلّ فقير ، أو إطعام كلّ هاشمي ، أو إضافة كل عالم ونحو ذلك من الأمثلة ، فمنشؤه أنّ سعة دائرة العموم قرينة عقلية أو عرفيّة على أنّ المراد إمّا بيان المصرف ، أو أن غرضه إيجاد هذه الأفعال بالنسبة إلى كلّ فرد اطّلع عليه لا مطلقا ، فيكون وجوبها مشروطا بالاطّلاع ونحوه ، وامّا لو أحرز أنّ غرضه تعلّق باستيعاب جميع الأفراد ، فلا شبهة في وجوب الفحص في مثل هذه الموارد ، التي قضت العادة بأنّه لو لا الفحص امتنع الخروج عن عهدة هذا التكليف ، والإتيان بجميع ما تعلّقت به إرادته.
هذا ، ولكنّ الحقّ أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان ـ بمعناها الشامل للشّبهات الحكميّة والموضوعيّة كما عرفته في محلّه ـ قاعدة عقلية سارية في جميع مواقع الشكّ ، غير قابلة للتخصيص.
فدعوى أنّ العقل لا يعذر الجاهل المتمكّن من الاستعلام ليس إلّا كدعوى الاخباري القائل بأنّ العقل لا يعذر الجاهل المتمكّن من الاحتياط ، فما هو الجواب هناك هو الجواب هاهنا.