وملخّصه : إنّ من الواضحات التي يشهد به ضرورة العقل ، ويعترف به كلّ أحد ، أنّ مؤاخذة الجاهل على ما لا يراه لازما عليه ، بأن لم يكن له طريق شرعيّ أو عقليّ يرشده إلى لزومه قبيحة ، وإلّا يلزمه التكليف بما لا يطاق ، فصحّة مؤاخذة الجاهل التارك للفحص على مخالفة الواقع ، أو تركه للفحص ـ سواء كانت في الشّبهات الموضوعيّة أم الحكمية ـ موقوفة على أن يقوم عنده دليل شرعي أو عقلي يرشده إلى لزوم الفحص ، والخروج عن عهدة التكليف الواقعي ـ على تقدير ثبوته ـ كما في الشبهات الحكمية التي فهم وجوب الفحص فيها بالنصّ والإجماع ، أو الموضوعيّة المقرونة بالعلم الإجمالي الموجب لصحّة المؤاخذة على الحكم المعلوم بالإجمال ، المستلزم لإلزام العقل بالفحص ، أو الاحتياط في أطراف الشبهة دفعا للعقاب المحتمل.
وامّا إذا لم يكن كذلك ، بأن لم يعلم ثبوت تكليف في الواقع لا إجمالا ولا تفصيلا ، ولم يكن هناك دليل تعبّدي من قبل الشارع يدلّ على وجوب الفحص والاحتياط ـ كما في الشبهات الموضوعيّة ـ فليس للعقل استقلال بلزوم الفحص عن حاله ، كما أنّه لا استقلال له بلزوم الاحتياط فيه عند عدم التمكّن من معرفة حكمه ، حيث أنّ حكمه بلزوم الفحص ، كحكمه بلزوم الاحتياط ، ليس إلّا من باب دفع الضرر المحتمل ، وقد عرفت في الشبهات الحكمية أنّ قاعدة القبح واردة على هذه القاعدة.
ولا يرد النقض بوجوب الفحص في أصول الدين ، إذ يكفي في جواز المؤاخذة على المخالفة ، الموجب لإلزام العقل بالفحص ، إخبار الشارع بمؤاخذة الكفّار وخلودهم في النار ، فضلا عن استقلال العقل بوجوب شكر المنعم ، وعدم قبح المؤاخذة على تركه ، فانّ إخبار الشارع بالعقوبة على ترك معرفته كاف في إتمام الحجّة وقطع عذر العبد ، بعد استقلال عقله بوجوب دفع العقاب المحتمل ، نظير ما لو