بالنظر إلى ما يساعد عليه اطلاقات العرف في محاوراتهم ، حيث يعلّلون الشيء بما يقع وسطا في القياس الاقتراني ، فيقال مثلا علّة تحريم هذا الشيء اسكاره ، أو نهي الشارع عنه ، وعلّة الحكم بحدوث العالم تغيّره وهكذا ، وهذا وإن كان مرجعه لدى التحليل إلى قضيّة خبرية ، وهي «أنّ هذا مسكر ، وكلّ مسكر حرام» ، لكن النسبة الخبرية التي تضمّنها الإضافة اسناد ناقص ، غير ملحوظ على سبيل الاستقلال ، فهي بالشرط أشبه ، كما يؤيّد ذلك أنّ المنطقيين مع ما هم عليه من الاصطلاح ، كثيرا ما يطلقون العلّة التي هي مساوقة للدليل والحجّة على الوسط ، فانّهم مثلا يقولون في مقام بيان الفرق بين البرهان اللّمي والإنّي ، إنّ اللّمي هو الذي يكون الحدّ الأوسط فيه علّة للنسبة في الذهن والعين ، والإنّي هو الذي يكون الحدّ الأوسط فيه علّة للنسبة في الذهن فقط. فظهر بما ذكرنا أنّ ما عليه أهل الميزان مجرّد اصطلاح ، وإلّا فلا مدخلية لذات الأصغر والأكبر في الإيصال من حيث ذاتهما ، وإنّما الموصل هو خصوص الأوسط بالنظر إلى عوارضه ، من حمله على شيء ووضعه لشيء ، فالحمل والوضع من شرائط الدلالة لا من مقوّمات الدليل ، فليتأمّل.
قوله قدسسره : فقولنا الظنّ حجّة ... الخ (١).
أقول : يمكن المناقشة فيه ، بأنّ مفاد جعل الظنّ طريقا ، ليس إلّا إثبات نفس المتعلّق به أوّلا وبالذّات ـ كما تقدّمت الإشارة إليه ـ فيتبعه آثاره ، لا إثبات الآثار أولا وبالذّات حتى يكون الطريق واسطة في إثباتها ، فالطريق واسطة في إثبات نفس المتعلّق لا أحكامه ، فلا يطلق عليه الحجّة حقيقة بالتفسير المذكور.
ويتولّد من هذه المناقشة اخرى في قياسه ، حيث جعل قوله «يجب
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢ ، سطر ١٣ ، ١ / ٢٩.