عمومات بعض الأدلّة ، كسلطنة الناس على أموالهم وغيره ، ولكن كون «لا ضرر» حاكما على سائر الأدلّة بالمعنى الاصطلاحي ، أيّ كونه بمدلوله اللفظي متعرّضا لحالها لا يخلو عن تأمّل بل منع ، لأنّ مفاد «لا ضرر» ـ على ما يظهر منه ـ أنّ الشارع لم يجعل حكما ضرريا ، لا أنّ أحكامه المجعولة مقصورة على غير موارد الضرر ، والفرق بين المعنيين ظاهر ، والمعنى الأوّل يعارضه إطلاق الأمر بالوضوء الشامل لمورد الضرر ، فلا بدّ في تخصيصه من قرينة خارجية ، وهذا بخلاف المعنى الثاني ، فانّه بمدلوله اللفظي قرينة على صرف الإطلاق ، فتدبّر.
قوله قدسسره : فإنّه حاكم على ما دلّ أنّه «لا صلاة إلّا بطهور» ... الخ (١).
أقول : في جعل الاستصحاب حاكما على الأدلّة الواقعية مسامحة ، إذ لو كان مفاد «لا تنقض اليقين بالشكّ» أنّ المراد من «لا صلاة إلّا بطهور» أعمّ من الطهارة الواقعيّة والطهارة المستصبحة ، للزم كون الطهارة المستصحبة شرطا واقعيّا للصلاة ، وهو فاسد جزما ، فالاستصحاب لا يكون حاكما إلّا على الأحكام الظاهرية ، الثابتة بالقواعد العقليّة والنقليّة للشاكّ من حيث هو شاك ، من البراءة والاحتياط والتخيير ، فمعنى «لا تنقض اليقين بالشكّ» أنّ الشّاك لا يلتفت إلى شكّه ، بأن يرتّب عليه آثاره ، بل يمضي على يقينه السابق فيجعل نفسه كغير الشاكّ.
وهذه العبارة ليس مفادها تعليم موضوع الأحكام الواقعية ، وإنّما مفادها إلغاء حكم الشكّ بعد اليقين ، فاستصحاب الطّهارة حاكم على قاعدة الاستقلال ، الحاكمة بوجوب تحصيل الجزم بحصول الشرط الواقعي ، لا على ما دلّ على أنّها شرط في الصلاة ، فلاحظ وتدبّر.
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٣١٥ سطر ١١ ، ٢ / ٤٦٣.