قوله قدسسره : ثمّ إنّه يظهر ممّا ذكرنا من حكومة الرواية ... الخ (١).
أقول : المتبادر من الضّرر المنفي في الشريعة ، هو الضرر الدنيوي الحاصل بنقص في ماله أو عرضه أو بدنه ، فوجوب الصوم في الصيف ، أو الاغتسال بالماء البارد في الشتاء ، إذا كان موجبا لحدوث مرض أو زيادته أو بطئه من أظهر مصاديق قاعدة نفي الضرر ، فهو منفي.
اللهمّ إلّا أن يدلّ عليه دليل خاص ، كما قد يدّعى ذلك متعمّد الجنابة ، فيكون ذلك الدليل مخصّصا للقاعدة لا موجبا لانقلاب موضوعها ، وإلّا لم يعقل ورود تخصيص عليها ، بل كان جميع الأدلّة بإطلاقها وعمومها واردة عليها.
والحاصل : إنّ الفوائد الأخروية المترتّبة على امتثال التكاليف ليست مانعة عن صدق اسم الضّرر ، وكذا صدق الضّرر ليس منافيا لكون مصداقه موجبا لفائدة أخروية ، ولذا التزمنا في مبحث التيمّم بصحّة الوضوء في موارد الضّرر والحرج الذي يسوغ تحمله شرعا ، وأنّ التيمّم في تلك الموارد رخصة لا عزيمة ، نظرا إلى أنّ قاعدة نفي الضّرر والحرج لا تقتضي إلّا رفع وجوبه لا شرعيّته.
وامّا في الموارد التي لا يجوز شرعا تحمله ، كالمرض الشديد ونحوه ، فالبطلان من قاعدة جواز اجتماع الأمر والنهي لا قاعدة نفي الضرر ، ولذا يختصّ بصورة العلم كما هو الأصل في تلك القاعدة.
وإن أردت مزيد توضيح لذلك ، فعليك بمراجعة ما حقّقناه في مبحث التيمّم تجده وافيا بدفع بعض الإشكالات المتوهّمة في المقام.
وقد ظهر بما ذكرنا أنّه إن أراد المصنّف بقوله : «إنّ مصلحة الحكم الضّرري المجعول بالأدلّة العامّة ، لا تصلح أن تكون تداركا للضرر» ، أنّ موارد الضّرر حيث
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٣١٥ سطر ١٨ ، ٢ / ٤٦٣.