عينا ، للزم أن لا يكون مجرّد القدرة على الآخر كافيا في تنجّز التكليف به ، بل مشروطا بأمر وراء ذلك ، وإلّا لم يعقل الفرق بينهما من حيث التنجّز وعدمه ، فالعقل بعد أن أدرك عدم اشتراط شيء من الواجبين المتزاحمين ـ على حسب ما يقتضيه إطلاق دليلهما ، إلّا بالقدرة العقلية ـ استقل بعدم الفرق بينهما في وجوب الإتيان به ، وصيرورته معذورا بفعله في ترك الآخر.
ولا يعتني باحتمال أهمّية أحد الواجبين لدى الشارع ، أو احتمال اعتبار الشارع ما فيه من المزية مرجّحا له في مقام المعارضة تعبّدا ، لمخالفته لما يقتضيه إطلاق دليل الآخر ، من عدم اشتراطه إلّا بالقدرة العقلية ، فليتأمّل.
قوله قدسسره : والتحقيق إنّا إن قلنا بأنّ العمل بأحد المتعارضين ... الخ (١).
أقول ملخّص مرامه : إنّه إن بنينا على قصور ما دلّ على حجّية الخبر ، عن إفادة وجوب العمل بشيء من المتعارضين ، وعدم جواز طرحهما رأسا ، وإنّما استفيد ذلك من حكم الشارع به بدليل الإجماع والأخبار العلاجية ، وإلّا لكان مقتضى الأصل فيهما التساقط ، وفرض وجودهما كأن لم يكونا ، وجب حينئذ الالتزام بالرّاجح ، وطرح المرجوح ، كما تبيّن وجهه فيما سبق.
وإن قلنا بأنّه يستفاد ذلك من نفس أدلّة العمل بالأخبار :
فامّا أن نقول بأنّ مفاد تلك الأدلّة اعتبار الأخبار من باب السببيّة والموضوعيّة ، فهي تدلّ على هذا التقدير على وجوب العمل بكلّ خبر مع الإمكان ، والمتعارضان ـ حيث لا يمكن العمل بهما معا ـ يجب الأخذ بأحدهما ، لأنّه هو القدر الممكن ، فيستنتج العقل من هذا الحكم ، بالتخيير ، كما تقدّم توضيحه آنفا.
وامّا أن نقول بدلالتها على اعتبار الأخبار من باب الطريقية ، وأنّ عمومها
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٤٤٢ سطر ٢٠ ، ٤ / ٥٠.