تعليق على الأمانة وخطورتها
وما ورد فيها في كتاب الله وسنّة رسوله
وبمناسبة ورود الآية (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) ضمن السلسلة نقول إن التنويه بالذين يرعون أماناتهم والتنديد بمن يخونونها والأمر بأداء الأمانات إلى أهلها قد تكرر في القرآن والسنّة مما يدل على ما أسبغ كتاب الله وسنّة رسوله على هذا الأمر الخطير المتّصل بصلات الناس ومعاملاتهم وحقوقهم ومعايشهم وثقتهم اتصالا شديدا والذي قد ينتج عن الإخلال به العداوة والبغضاء والنزاع في المجتمع الإسلامي. والذي يناقض الإخلال به في حدّ ذاته المعاني الجليلة المنطوية في الإيمان والإسلام.
ففي سورة المعارج آية مماثلة لهذه الآية فيها تنويه بالمؤمنين مثلها وهي الآية [٣٢] وفي سورة البقرة هذه الآية (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) [٢٨٣] وفي سورة آل عمران آية فيها تنديد شديد باليهود لأنهم لا يؤدون الأمانات التي يؤتمنون عليها من غيرهم وهي : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥) وفي سورة النساء هذه الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (٥٨) وفي سورة الأنفال هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٧).
ولقد أخرج ابن أبي حاتم حديثا عن سعيد بن جبير عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم جاء فيه : «ما من شيء كان في الجاهلية إلّا هو تحت قدميّ هاتين إلّا الأمانة فإنّها مؤداة إلى البرّ والفاجر» (١). وأخرج الطبري بطرقه حديثا عن عبد الله بن مسعود عن
__________________
(١) النص من تفسير ابن كثير للآية [٧٥] من سورة آل عمران.