البشر حينما يسمعون نفخ الصور بهذه الجملة (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) [الزمر : ٦٨] التعريف مقارب للمعروف من الصاعقة. وعلى كل حال فالسمعون للقرآن يسمعون اسم ظاهرة كونية ويعرفون مداها بالمشاهدة والسماع بدون ريب. ومن ذلك في صدد كلمة البرق حيث أوردوا ما أوردناه في سياق الآية [٢٤] من سورة الروم التي وردت الكلمة فيها لأول مرة. وعلقنا على ما أوردوه وذكرنا ما تبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله. وإن كان من شيء نقوله هنا في مناسبة ذكر الرعد والصواعق والبرق معا فهو أن هذه الظواهر الكونية مما كان ولا يزال يثير في نفوس الناس رهبة وهيبة وتساؤلا. وإن حكمة التنزيل اقتضت ذكرها هنا بالأسلوب الذي وردت به بسبيل التدليل على كونها مما يخضع لأمر الله وتسييره على ما ذكرناه في شرحها وأسوة بسائر مشاهد كون الله في السموات والأرض وما بينهما على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة. وأن الأولى أن تبقى في هذا النطاق دون تزيد لا طائل ولا ضرورة له في مقام الهدف القرآني. والله تعالى أعلم.
تعليق على جملة
(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ
اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ)
والجملة الأولى جديرة بالتنويه لما تحتويه من تقرير لناموس إلهي اجتماعي يتقلّب البشر وفاقه بين النعم والنقم والصلاح والفساد وبالتالي لما تحتويه من تلقين جليل مستمر المدى ؛ حيث قصدت تقرير كون النعم والنقم والخيرات والويلات لا تأتي على الناس عفوا وإنما هي منوطة بسلوكهم وسيرتهم. فإذا كانوا متمتعين بالقوة والعزّة والنجاح والصلاح فإنما يكون ذلك بسبب ما يقوم عليه سلوكهم من أسس الاستقامة والحق فلا تتبدل حالتهم من الحسن إلى السيء إلا إذا انحرفوا عن الطريق القويم الذي يسيرون فيه. وإذا كانوا ضعافا يقاسون الويل والذلّ والفقر