على ما أولاهم من نعم وقدّسوه ونزّهوه ولم يستكبروا عن عبادته. وهم الذين يهجرون النوم والراحة ويقضون أوقاتهم في عبادة الله وحده مستشعرين بالخوف منه وراجين الثواب منه. وهم الذين ينفقون مما رزقهم الله في سبل البرّ المتنوعة. فهؤلاء لا يعلم إلّا الله ما هيّىء لهم من عظيم المكافاة التي فيها قرّة أعينهم وطمأنينة قلوبهم جزاء ووفاقا على ما قدموه من صالح الأعمال.
وواضح أن الآيات قد أعقبت الآيات السابقة في صدد المقابلة بين مصائر الكفار والمؤمنين وأن الاتصال بينها وبين سابقاتها.
تعليقات على آية
(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً) وما بعدها
ولعل الآيات جاءت بالأسلوب الذي جاءت به كردّ على ما حكته الآيات السابقة من إعلان الكفار يوم القيامة يقينهم بالله واتعاظهم. فالإيمان في الآخرة والندم على ما فات لن يجديا نفعا. وإنما المجدي هو الإيمان والعمل الصالح في الدنيا. وفي هذا ما فيه من التلقين المستمر المدى.
والإمعان في الآيات فحوى وروحا يزيل الوهم الذي قد يرد في صدد الآية الثانية من الآيات السابقة لها كما نبّهنا عليه. فكل ما وصف به المؤمنون قد نسب فعله إليهم وصدوره عنهم باختيارهم الذي أودعه الله فيهم.
ومع إطلاق الآيات الذي يجعلها مستمد إلهام وتلقين وتنويه وغبطة مستمر لكل مؤمن في كل وقت ؛ فإن فيها على ما هو المتبادر صورة قوية للسابقين الأولين من المؤمنين في مكة من قيام في الليل وتقديس وتسبيح دائمين لله عزوجل وخوف منه وأمل فيه وإنفاق لأموالهم في سبيله رضوان الله عليهم. وهو ما تكررت حكايته عنهم في سور عديدة منها السورة السابقة.
وجملة (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) تتضمن بشرى عظيمة غير محدودة من شأنها أن تثير في نفوس المؤمنين الصالحين أشدّ الغبطة والارتياح