هذا الفصل والذي قبله توكيد على الوفاء بعهد الله وتحذير من نقضه واتخاذ الإيمان بالله وسيلة تغرير وخداع ومداراة للأقوى والأكثر وترجيحا لما عند الناس على ما عند الله. وهذا ما سوّغ لنا أن نقول في صدد هذه الآيات إنها متصلة بهذا الفصل والفصل السابق له ، بل وربما كانت مقدمة لهما.
وطبيعي أن يكون هذا الحادث قد أثر في نفس النبي والمؤمنين وسير الدعوة النبوية تأثيرا شديدا. وهذا ما يفسر الحملة الشديدة على المرتدين بدون إكراه الذين ثبتوا على كفرهم ويفسّر ما احتوته الآية الأخيرة من تطمين وإنذار معا فليس على النبي والمؤمنين من بأس وهم بما يفعله الآثمون الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة وينقضون عهد الله فكل مسؤول عن عمله يوم القيامة ومجزى عليه بما يستحقه.
والمتبادر أن تعبير (جاهَدُوا) في الآية الأخيرة قد قصد به بذل الجهد وتحمّل المشقة والحرمان في سبيل الله ودينه. لأن الجهاد الحربي إنما كان بعد الهجرة إلى المدينة كما لا يخفى. ولقد كان من المسلمين مهاجرون في الحبشة في هذا الظرف على ما مرّ شرحه في مناسبة آية سابقة في هذه السورة فمن المحتمل كثيرا أن هؤلاء الذين آمنوا من بعد ما فتنوا وهاجروا قد هاجروا إلى الحبشة والتحقوا فيها بإخوانهم السابقين.
تلقينات الآية
(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) وما بعدها
هذا ، والآيات تنطوي على تلقينات مستمرة المدى فيما يتبادر لنا. فالله لا يؤاخذ من يجبر على ارتكاب إثم من الآثام مهما عظم إذا كان غير راض به وكان متعلقا بخاصة نفسه ، ويقبل توبة النادمين والتائبين منه إذا رضوا به في موقف أو حالة ما ويشملهم برحمته. وشرط التعلق بخاصة النفس مستلهم من روح الآيات فالإكراه على القتل لا يبرر القتل ، والإكراه على الزنا لا يبرر الزنا ؛ لأن أقصى