وفي هذه الآيات تنويه بمصائر المؤمنين الذين اتّقوا الله بالإيمان وصالح العمل والبعد عن الإثم مقابلة لذكر مصائر المكذبين جريا على الأسلوب القرآني. وهي واضحة العبارة في وصف مظاهر النعيم الذي يتنعمون به وإدراكهم لما صاروا له من مظهر فضل الله وعنايته جزاء خوفهم منه واتجاههم إليه وحده. وأسلوبها شائق مغر من شأنه بعث الابتهاج والطمأنينة في المؤمنين والتنويه بأعمالهم الصالحة المرضية وحثّ عليها وتشويق غيرهم لها وهو مما استهدفته الآيات كما هو المتبادر. وقد تكرر مثل هذا الوصف المستمد من مألوفات الدنيا وما فيها من صور أحسن المتع للتقريب والتمثيل.
وجملة (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) تتضمن كما هو المتبادر معنى تعقيبيا بالنسبة لما ذكر من مصير الفريقين الكفار والمتقين. فكل منهم ينال وفاقا لعمله وكسبه. وفي هذا توكيد للمبدأ القرآني المحكم المتكرر من مسؤولية الإنسان عن عمله وكسبه ونيله ما يستحق من الثواب والعقاب حسب ذلك.
تعليق على آية
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ ...)
والضمير في (أَلَتْناهُمْ) راجع إلى المؤمنين كما هو المتبادر. والجملة تعني أن الذرية التي تتبع آباءها المؤمنين بإيمان ينالون ما يناله آباؤهم دون أن ينقص من ثواب آبائهم شيء كما هو المتبادر.
ولقد روى المفسرون أحاديث متنوعة في صدد هذه الآية فيها معان أخرى غير المعنى الذي ذكرناه والذي ذكره المفسرون أيضا. منها حديث رواه البغوي بطرقه عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقرّبهم عينه ثم تلا الآية». وحديث رواه البغوي كذلك عن علي بن أبي طالب قال : «سألت خديجة النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية فقال هما في النار فلما رأى الكراهة في وجهها قال لو رأيت مكانهما