والاتصال قائم كذلك بين هذه الآيات وسابقاتها اتصال تعقيب وإنذار.
تعليق على آية
(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها)
وقد توهم الآية الثانية أن الله قد حتّم على أهل النار من الأزل أن يحرموا من التوفيق والهدى ليملأ بهم النار. وذكر هذا بعض المفسرين والكلاميين في صدد القضاء والقدر (١). ولكن الآية الثالثة التي تنسب الكفر والنسيان لأصحابه وتجعل النار جزءا عادلا لهم من شأنها أن تزيل الوهم وتجعل الكلام على التحتيم في غير محله هنا وتسوغ القول إن الآية في صدد بيان كون حكمة الله اقتضت أن يترك الناس إلى اختيارهم الذي أودعه فيهم بعد أن بيّن لهم طريق الهدى والضلال حتى تمتلىء جهنّم بأهلها عن بيّنة وعدل والجنة بأهلها عن بينة وعدل وأن لا يجبر الناس على الهدى إجبارا. ولعل في الآيات التالية ما يؤيد هذا التوجيه الذي أكّدته آيات كثيرة سبق تفسيرها والتعليق عليها والذي هو المتسق مع حكمة إرسال الرسل ودعوة الناس وترتيب الجزاء الأخروي حسب أعمال الناس في الدنيا.
(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)) [١٥ ـ ١٧]
(١) تتجافى : تتباعد.
في الآيات إشارة إلى صفات المؤمنين ومصيرهم : فهم الذين إذا ذكّروا بآيات الله خرّوا سجدا له إعلانا لإيمانهم به وخضوعهم له وحده وسبحوا بحمده
__________________
(١) انظر تفسير الآية في الكشاف المذيّل بتعليقات ابن المنير ، وانظر تفسيرها في تفسير النسفي.