ولقد تعددت تخريجات المؤوّلين والمفسرين لجملة (طَوْعاً وَكَرْهاً). منها أن الملائكة والمؤمنين يسجدون طوعا والمنافقين يسجدون كرها. ومنها أن الكفار المشركين يسجدون بقوة السيف ، ومنها أن هؤلاء يسجدون لله مضطرين حين ما يحيق بهم الخطر ويدعون الله مخلصين له الدين كي ينجيهم مما حكته آيات عديدة في سور سابقة (١).
والذي يتبادر لنا أن التعبير أسلوبي بسبيل تقرير خضوع كل شيء في السموات والأرض لتصريف الله ومشيئته. وفي هذا يتساوى كل ما في الكون من طائعين وعصاة ومن جماد ونبات ومعالم علوية وسفلية. وقد قررت هذا آيات عديدة جاءت مطلقة منها ما مرّ تفسيره (٢). والمتبادر أن ذكر (ظلالهم) هو بقصد توكيد ذلك الخضوع الشامل.
وجملة (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) يمكن أن تكون في صدد السجود. كما يمكن أن تكون في صدد الظلال. فإذا صحّ الاحتمال الأول فيكون التعبير أسلوبيا قصد به جميع الأوقات لأن هذا هو ما تقتضيه روح الآية التي هي بسبيل تقرير خضوع كل شيء لله في كل وقت. وإذا صحّ الاحتمال الثاني فيكون بقصد تقرير كون الظلال المرئية المتحركة في غدوّ النهار وأصيله للأشياء والناس هي في حركاتها وسكناتها خاضعة لتصريف الله تعالى كما تخضع له أصولها.
(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦)) [١٦]
__________________
(١) انظر آيات سورة يونس [١٢ و ٣٢] والعنكبوت [٦٥].
(٢) انظر مثلا آيات سورة النحل [٤٨ ـ ٤٩].