قال : بل هذا. فقالوا : بالذي نزع عن قلوبنا الشهوات ، ووفّقنا لطاعته ، وقوّانا على العبادة ، ما تزيّنت امرأة منّا قطّ بشيء من هذا ، ولا انتفعنا به بفصّ خاتم. فأقام عندهم إلى السبت الآخر حتى سكن البحر فجازه حتى أتى معسكره فيقال : إنهم القوم الذين ذكرهم الله جلّ وعزّ في كتابه فقال وقوله الحقّ : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) قال : فلمّا ملك ناشر ينعم تجهّز وسار في جمع لا يحصى عددهم نحو المغرب ، حتى إذا بلغ وادي الرمل أراد أن يجوزه فلم يجد مجازا ، فأقام إلى يوم السبت ، فلمّا سكن الرمل يوم السبت أرسل نفرا من أصحابه وأمرهم أن يقطعوه ، ثم يقيموا من ذلك الجانب إلى السبت الآخر ، ثم ينصرفوا إليه بخبر ما رأوه ، فساروا يرمهم ذلك حتى هجم عليهم الليل قبل أن يقطعوه ، فجرى ذلك الرمل فغرقوا فيه ، فلمّا رأى ذلك ولم يرجع إليه من أصحابه أحد ، أمر بصنم فنصب على حافّة الوادي ، وكتب على جبهته : ليس ورائي لامرئ مذهب فلا يتكلّفنّ أحد المضيّ إلى الجانب الآخر ، ثم انصرف إلى مملكته.
ومن طرقلة إلى مدينة غانة مسيرة ثلاثة أشهر مفاوز وقفار ، وبلاد غانة ينبت فيها الذهب نباتا في الرمل ، كما ينبت الجزر ويقطف عند بزوغ الشمس ، وطعامهم الذرة واللوبياء ، ويسمّون الذرة الدخن ، ولباسهم جلود النمور وهي هناك كثيرة.
ومعدن الفضّة والذهب بموضع يقال له تدمير ، بينه وبين قرطبة عشرة أيّام ، ومعدن الفضّة في أعلى مدينة يقال لها جيّان ، وبها معدن الزيبق في موضع يقال له فحص البلّوط ، ومن معدن الزيبق إلى قرطبة خمسة أيّام ، وأهلها بربر وهم في سلطان الأمويّ.
ويتاخم الشرك أمّة يقال لها علجشكش وهي قريبة من البحر.
وبقرطبة دار الضرب في موضع يقال له باب العطّارين ، وليس في دراهمهم مقطّعة ، ولهم فلوس يتعاملون بها ستّين فلسا بدرهم ، ودراهم تسمّى طبليّا. وللأمويّ جند وديوان يعطيهم أرزاقهم من العرب والموالي وغيرهم. قرطبة طيّبة الهواء لا يحتاجون في الصيف إلى خبش ، وبها عيون وآبار ، وعندهم ثلج يقع على جبل يقال له شلير ، بينه وبين قرطبة أربعة أيّام ، وبقرطبة آبار طيّبة عذبة باردة ،