يشربون في الصيف من تلك الآبار لشدّة بردها.
ويروى عن عامر الشّعبيّ قال : إن الله جلّ وعزّ خلق خلقا خلف الأندلس ليس بينهم وبين الأندلس إلّا كما بيننا وبين الأندلس ، لا يرون أن الله عصاه أحد ، لا يحرثون ، ولا يزرعون ، ولا يحصدون ، على أبوابهم شجر ينبت لهم ما يأكلون منه ، وللشجرة أوراق عراض ، يوصلون بعضها إلى بعض فيلبسونها ، وفي أرضهم الدرّ والياقوت ، وفي جبالهم الذهب والفضّة ، فأتاهم ذو القرنين فخرجوا إليه فقالوا له : ما جاء بك ، تريد أن تملكنا ، فو الله ما ملكنا أحد قطّ ، وإن كنت تريد المال فخذ. فقال : والله ما واحدة من هاتين أريد ، ولكن سألت ربّي أن يسيّرني فيما بين مطلع الشمس إلى مغربها ، فهذا حيث جئتكم من المطلع قالوا : هذا المغرب عندك.
وبالأندلس نخل قليل ، وبها زيتون كثير ، وزيت وقطن وكتّان.
حديث البهت : فمن عجائب الأندلس ، البهت ، وهي المدينة التي في بعض مفاوزها ، ولمّا بلغ عبد الملك بن مروان خبر هذه المدينة وأن فيها كنوزا ، كتب إلى موسى بن نصير ـ وكان عامله على المغرب ـ يأمره بالمسير إليها ، ودفع الكتاب إلى طالب بن مدرك ، فسار حتى انتهى إلى مدينة القيروان ، وموسى مقيم بها ، فأوصل كتاب عبد الملك إليه فلمّا قرأه تجهّز وسار في ألف فارس من أبطال قومه وأشرافهم ، وحمل معه من الزاد لأربعة أشهر ، ومن الماء لنفسه وأصحابه ما يكفيهم ، وأخرج رجالا أدلّاء بذلك الطريق ، فسار ثلاثة وأربعين يوما حتى انتهى إليها ، فأقام ثلاثا حتى علم كنه علمه ، ثم ارتحل إلى البحيرة ، وكانت على ميلين من المدينة ، وتفهّم أمرها ثم انصرف إلى القيروان ، وكتب إلى عبد الملك بن مروان مع طالب بن مدرك ، بسم الله الرحمن الرحيم : أصلح الله أمير المؤمنين صلاحا يبلغ به شرف الدنيا والآخرة ، أخبرك يا أمير المؤمنين أني تجهّزت لأربعة أشهر ، وسرت في مفازة الأندلس في ألف رجل من أصحابي ، حتى أوغلت في طرق قد انطمست ومناهل قد اندرست وعفت فيها الآثار ، وانقطعت عنها الأخبار ، أحاول بلوغ مدينة لم ير الراءون مثلها ولم يسمع السامعون بمثلها ، فسرنا ثلاثة