سالت له العين عين القطر فائضة |
|
فيها عطاء جليل غير مصرود |
وقال للجنّ ابنوا منه لي أثرا |
|
يبقى إلى الحشر لا يبلى ولا يؤدي |
فصيّروه صفاحا ثمّ ميل به |
|
إلى السماء بأحكام وتجويد |
وأفرغوا القطر فوق السور منحدرا |
|
فصار صلبا شديدا مثل صيخود |
وردّ فيها كنوز الأرض قاطبة |
|
وسوف يظهر يوما غير محدود |
لم تبق من بعدها في الملك شارفة |
|
حتّى يضمّن رمسا بطن أخدود |
وصار في قعر بطن الأرض مضطجعا |
|
مضمّنا بطوابيق الجلاميد |
هذا لتعلم أنّ الملك منقطع |
|
إلا من الله ذي التّقوى وذي الجود |
ثم سرت حتى وافيت البحيرة عند مغيب الشمس فإذا هي مقدار ميل في ميل ، وهي كثيرة الأمواج ، فنظرنا فإذا رجل قائم فناديناه من أنت؟ قال : أنا رجل من الجنّ ، وكان سليمان بن داود حبس والدي فوق الماء في (١) هذه البحيرة ، فأتيته لأنظر ما حاله ، قلنا : فما لك قائما فوق الماء؟ قال : سمعت صوتا فظننته صوت رجل يأتي هذه البحيرة في كل عام مرة فهذا أوان مجيئه. فيصلّي على شاطئ هذه البحيرة أيّاما ويهلّل الله ويمجده ، قلنا : فمن تظنّه؟ قال : أظنّه الخضر ، ثم غاب عنا ، فبتنا تلك الليلة على شاطئ البحيرة ، وقد كنت أخرجت معي عدّة من الغوّاصين ، فغاصوا في البحيرة فأخرجوا منها حبّا من صفر مطبّقا رأسه بصفر ، مسمورا بمسامير من صفر ، فأمرت بقلع الصفر فخرج منه رجل من صفر على فرس من صفر بيده مطرد من صفر ، فطار في الهواء وهو يقول : يا نبيّ الله لا أعود ، ثم غاصوا ثانية وثالثة فأخرجوا عدّة من أولئك ، ثم ضجّ أصحابي وخافوا أن ينقطع بهم الزاد ، فأمرت بالرحيل وانصرفت بالطريق الذي سلكته ، وأقبلت حتى نزلت القيروان ، وكتابي منها والحمد لله الذي حفظ لأمير المؤمنين أموره وسلّم له جنده والسلام. فلمّا قرأ عبد الملك بن مروان كتاب موسى بن نصير وكان عنده الزّهريّ قال : ما تظنّ بأولئك الذين صعدوا فوق السور كيف استطيروا؟ قال : أظنّهم خبلوا
__________________
(١) لدى ياقوت (ولدي).