أخاف أن يكون هذا القصر محتضرا (١). قال : أنا أصنع فيه شيئا فلا ترى فيه أمرا تكرهه. فلما كان بعد ثالثة ، جاء عبد الله بن هلال يخطر بين الصفين وفي يده قلّة مختومة. فقال : أيها الأمير تأمر بالقصر أن يمسح ثم تدفن هذه القلة في وسطه فلا ترى فيه شيئا فيما يكره. فقال له الحجاج : يا ابن هلال! وما العلامة في هذه القلة؟ قال : أن يأمر الأمير برجل بعد آخر من أشدّ أصحابه حتى يأتي على عشرة منهم فيستقلّوا بها من الأرض (٢) فإنهم لا يقدرون على ذلك. فأمر الحجاج بذلك ففعل ، فكان كما قال ابن هلال. وكان بين يدي الحجاج مخصرة خيزران فوضعها في عروة القلة ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم. إن ربكم الذي خلق السماوات والأرض. ثم شال القلة فارتفعت على المخصرة ، فوضعها ثم فكر منكسا رأسه ساعة. ثم التفت إلى عبد الله بن هلال فقال : خذ قلتك والحق بأهلك. قال : ولم؟ قال : إن هذا القصر سيخرب بعدي وينزله قوم ويحتفر محتفر يوما فيجد هذه القلة فيقول : لعن الله الحجاج إنما كان بدء أمره السحر. قال : فأخذها ولحق بأهله.
قال : وكان ذرع القصر أربعمائة ذراع في مثلها. وذرع المسجد الجامع مائتين في مائتين. وصف الرحبة التي تلي صف الحدادين ثلاثمائة في ثلاثمائة. وذرع الرحبة التي تلي الخرازين والحوض ثلاثمائة في مائة ذراع. والرحبة التي تلي المضمار مائتين في مائة. قال : والأبواب كانت على مدينة قديمة أعجمية يقال لها الدوقرة. وقد قيل عليها وعلى غيرها فقلعت وحملت إلى واسط.
وقال محمد بن خالد : كان محمد بن [٢٣ أ] القاسم الثقفي أيام كان يتقلّد الهند والسند قد أهدى إلى الحجاج فيلا فحمل من البطائح في سفينة ، فلما صار إلى واسط أخرج في المشرعة التي تدعى مشرعة الفيل فسميت به إلى الساعة (٣).
ولما استوطن الحجاج واسط نفى النبط عنها وقال : لا يساكنني أحد منهم فإنهم مفسدة. وكان في طباخيه رجل منهم وكان يطبخ لونا يعجب الحجاج. فلما
__________________
(١) يحضره الجن والشياطين (لسان العرب).
(٢) أي يرفعونها عن الأرض.
(٣) من قوله (وقال محمد بن خالد) إلى هنا في البلاذري ٢٩٠.